ثم اتخذت عنوانا آخر: «أوراق خريف»، فذهبت تلك هباء منثورا، وكانت كاسمها حقا. ثم كتبت طويلا في جريدة «الأحد» تحت عنوان: «من الجراب»، فكنت أمد يدي إلى ذاك الجراب في كل مناسبة، فيأتي الكلام تارة مناسبا، وطورا غير مناسب، أي حينا يسخط، وآونة يغضب، ولكني مضيت في طريقي ساعيا إلى غايتي ولا يعنيني ما يقول الناس.
وفي «المجالس المصورة» كان العنوان: «حبر على ورق»، وأنا أحارب فيه على كل الجبهات. ومن يخشى المعارك وشعارها: حبر على ورق؟!
عندما كان الانتداب في أول عهده جاء أحد المفتشين لزيارة مستودعات أوراق سراي «بعبدا» القديمة، فدخلها وفي صحبته رئيس القلم العتيق في خدمة الحكومة. كان هذا يطمع بالترقية الكبرى؛ لأنه شقيق مطران، فقال للمفتش حين أراه المستودع وما فيه من ذخائر فعلت فيها الجرذان والفيران فعلها: أتعرف يا مسيو ... كم قضيت من العمر في هذا المركز؟
فقال الفرنجي: لا، قل إذا شئت.
فأجاب رئيس القلم: ثلاثين سنة وأكثر. - هوه، هوه، الحمد لله على السلامة، اشكر ربك على أن الجرذان لم تأكلك.
وأنا أشكر ربي على العافية، ولا أرجو سواها، وسأظل أكتب إلى أن يطل القدر المكتوب، فلا أقل من أن أخدم بلادي بهذا الحبر والورق، ولا سلاح لي سواه. ولن أقول لمن يعنيهم الأمر ما قاله الحطيئة للزبرقان:
أدركت يأسا مريحا من نوالكم
ولا ترى طاردا للحر كالياس
العوام وغيرهم يطردون الشيطان باسم الصليب، أما شيطاني فلا يطرده شيء؛ رأسه يابس، وعينه جامدة؛ فهو لا يتوارى أبدا.
قال الأستاذ محيي الدين النصولي في جريدته «بيروت» في حديثه عن «مال الاحتياط»:
نامعلوم صفحہ