وإذا قلت: فكيف أهل الحي طرا؟ صرخ: إنهم كانوا كلهم علي شرا. - وكيف أهل البلد أجمعين؟ أجاب: ويلي! ما منهم أمين ولا معين، فما كأنهم خلقوا من ماء وطين. - وكيف حال التجار؟ أجابك: إنهم عبيد الدرهم والدينار. - وكيف أهل المدن والأمصار؟ هتف: ويلي! إنهم ذوو غبن وغش، ما تعامل أحدا منهم إلا ويمنيك بالكرب والخسار. - وكيف أهل الجبال، عسى أن يكونوا خيرا من أولئك؟
صرخ: ومن أين لهم الخير والصفاء، وقد فطروا على الشراسة والجفاء، فابتعدوا عن الآداب حتى كادوا أن يحصوا مع الذئاب، يقتل أحدهم أخاه برغيف ليسد بها جوعه. هذه حالة سكان البلاد؛ فلا تكثرن السؤال.»
فقلت في نفسي: إن امرأ يحسب جميع أهل بلاده دونه لجدير بأن يذيعوا فنونه وجنونه. ويا للعجب ممن يمدح وطنه ليرجع المدح إلى نفسه! وممن لا يعجبه شيء مما يقال إلا إذا كانت ذاته وصفاته هي ذلك الموضوع الذي يدور حوله الحديث!
ألا ترى يا صاح أنك تكون ثقيلا على المحضر إذا كان لا يعنيك إلا أن تروي لنا طرائف ما فعلت في زمانك، وأن قولك كنت وكنت لا يرفع من مقامك، بل يضحك الناس منك، ولا تدل إلا على خفة عقل لو كانت في رجلك لسبقت الغزال والأرنب.
كثيرون من إذا التقيتهم يسدون عليك الطريق بالصدر والباع، ويحاولون جرك إلى الحديث عن أعمالهم وآثارهم، وخصوصا إذا كان صدر عنهم ما يعدونه حسنة، فإنهم يستدرجونك إلى الكلام عنها.
وإذا رأوك تجهلها أو تتجاهلها تولوا هم بالنيابة عنك الثناء على أنفسهم، فيمثلون معك دور بطل بديع الزمان في المقامة المضيرية، حتى إذا حاولت أن تهرب كما هرب أبو الفتح من تلك الدار، تشبثوا بأذيالك كأن لهم عليك دينا، ثم لا يخلون سبيلك إلا بعد أن يشبعوا أنفسهم مدحا.
أنا لا أرجو استئصال دابر هؤلاء؛ فهم أكثر من الجراد، ولكنني أصفهم لقارئي حتى إذا كان من طرازهم ارتدع وأراح الناس من غفلته ...
12 / 5 / 1954م
جيشنا
كان عيد الجلاء الأخير جلاء لجيشنا الفتي، فأدهش تنظيمه النظارة - وأكثرهم من كبار الدبلوماسيين والملحقين العسكريين - فنوهت الصحف به وبأمير لوائه الشهابي، فقلت في نفسي يومذاك: هذا سياج الحمى قد شب عن الطوق، ألا بارك الله بالعهد وبسيده البناء.
نامعلوم صفحہ