«كل ما أريد أن أقول في هذه اللحظات، أن حارس المقبرة، والكاتب، وأبي، بابا الكنيسة، والمدرس الطيب، والرجل صاحب المعطف الأسود؛ كانوا يشبهون بعضهم البعض كثيرا حتى في التفكير»، وإن اعتيادي على الاحتفاء بما حدث معي، أن أهدئ روحي وروح أبي وكل من ينام معنا الآن.
الآن أنا أجلس تحت الأرض، كما اختار الكاتب النهاية، لكنها سعيدة جدا لي، وقد طلبت منه أن تزورني جان وابنتي ماري كل يوم.
في ليلة قصف البيت ظل بطن جان منتفخا، روح أبي تنفست كل بارود المكان ورحلت، وجاءت ماري. وكان الكاتب معي كريما جدا؛ كل يوم تزورني جان وابنتي ماري.
وفي هذه اللحظة جاء طلاب مدرسة في زيارة لمقبرة الإنجليز؛ لأنها معلم أثري في غزة. الأولاد يتقافزون ويركضون بين القبور، ويلتقطون لهم صورا مع الشواهد.
المدرس الطيب يشرح للأولاد عن كل قبر، والآن يقف عند قبري، ويقرأ الشاهد المزروع. يقول: هذا قبر أحد المسيحيين، وقد شارك في عملية بطولية في الحب والثبات في غزة.
سأل أحد الأولاد: ما اسم هذا البطل؟
اقترب المدرس من الشاهد، وقرأ اسمي. مكتوب على الشاهد اسمان؛ «ميشيل عواد» و«نضال الرجعي».
استغرب وقتها الأولاد: لماذا له اسمان؟
رد المدرس: الأبطال دائما يحملون اسمين؛ لأن البطل يولد مرتين، مرة من بطن أمه، والمرة الأخرى من بطن وطنه. - هل نقرأ على روحه الفاتحة، أو ندعو له؟ - أنا أقول لكم ادعوا لأنفسكم أن تكونوا مثله.
جاء حارس المقبرة يحمل ورقة، وصار يقرأ بصوت عال: رحلوا في لحظة ترقب، في لحظة خوف من الآخرين عليهم، وربما رحلوا وهم في قمة السعادة، ذهبوا عن هذه الدنيا وتركوا خلفهم دموع الأهل والأحباب، تاركين وراءهم كل شيء يتعلق بهم؛ صورهم، ومالهم، وذكرياتهم. رحلوا وتركوا دنيا فانية. عيونهم أغمضت عن الدنيا، يسمعون بكاء أهلهم لكنهم فقدوا القدرة على الكلام؛ فروحهم انتزعت من أشلاء أجسامهم ولم يتبق لهم شيء.
نامعلوم صفحہ