فليتدبر المنصف في هذا الدستور الإسلامي الذي جاء به الكتاب العزيز والسنة النبوية ، والذي ما برح يقوم بتطبيقه أئمة الأباضية وعمالهم في جميع أدوار تاريخهم السياسي تطبيقا عمليا . خلافا لما عليه الملوك الظلمة الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما جاء به من أمر ونهي ووعد ووعيد وحلال وحرام وحدود وأحكام ، ثم لا ترى لاتباع أوامر الشرع أي أثر في أعمالهم وحروبهم ، بل لا ترى إلا السلب والنهب وهتك الأعراض والفتك بالأبرياء وغير ذلك من المناكر التي تقشعر من ذكرها الأبدان وتشمئز من بشاعتها وشناعتها أقسى القلوب . ومع هذا فكثير من المؤرخين يذكرون هؤلاء على أنهم من عظماء الإسلام وملوكه الذين تفتخر بهم الأجيال . غافلين أو متغافلين عن التنويه بأهل هذا القسم المهم من التاريخ الإسلامي الذي ليس في صحائفه إلا ما يبيض وجه الإنسانية ، ويرفع من كرامة الشعوب المحمدية ، ويبرهن بأسطع الأدلة وأقواها على أن دين الإسلام هو دين العدل والحرية والمساواة المطلوبة لبني الإنسان ، متى وجد كهؤلاء الأئمة من يحسن تطبيق قواعده وتنفيذ أحكامه . ولا نذهب بالقارئ بعيدا ، فنظرة في عمل أبي منصور في حربه مع ابن طولون وهو عامل من عمالهم تكفيه حجة على ما هم عليه من التحري لدين الله . ولقد أنقذ هذا البطل حكومة الأغالبة يومئذ من خطر محقق الوقوع . إذ معنوية جيشهم قضى عليها ابن طولون قضاء مبرما . فلولا أبي منصور لتم له القضاء على دولتهم نهائيا بدون شك . لكن لؤم الأغالبة أبى عليهم إلا أن يقابلوا هذا الجميل بأقبح ما تراه العيون وتسمعه الآذان قبل أن تمضي سبع عشرة سنة من تاريخه وذلك في وقعة مانو المشهورة سنة 284 التي حاربوا فيها النفوسيين وهزموهم هزيمة مؤلمة ، فقد أفحش بنو الأغلب فيهم قتلا ونهبا وسبيا وتمثيلا ، وأسرفوا أيما إسراف ، وأتوا بكل أنواع الفظائع التي تأباها الإنسانية ويحرمها النظام الدولي والشرع المحمدي أشد تحريم .
صفحہ 87