خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من اختاره لرسالته واجتباه. وعلى آله وصحبه وتابعيهم وكل من جاء بعده واهتدى بهداه.
أما بعد فهذا كتيب جمعت فيه ما لا بد من معرفته لكل مسلم من أقسام التاريخ الإسلامي ، ألا وهو التاريخ الأباضي. لذلك أقدمه بمقدمة لأولئك الراغبين في الوقوف على كل ما خفي منه. والله أرجو أن يضعه من نفوسهم موضع الرضا والقبول ، ويملأ أفئدتنا وإياهم بالانصاف ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم . والحمد لله رب العالمين.
مقدمة الكتاب
دعاني إلى وضع هذا المختصر من تاريخ الأباضية ، وتذييله ببيان بعض المسائل الخلافية جملة أسباب : منها أن كثيرا من الناس لا يعرف عن هذا المذهب شيئا ، مع ما عليه أهله من العظمة التاريخية الخالدة. والبعض قد يعلم شيئا عنه ولكن يعده جهلا في جملة الخوارج ( الازارقة والنجدية والصفرية ) المارقين عن الإسلام بغلوهم في الدين ، وشططهم البعيد عن جادة الصواب ، كإباحتهم أموال الموحدين ودماءهم وسبي نسائهم وأطفالهم وأبطالهم الإمامة العظمى ولو توفرت شروطها.
صفحہ 2
والأباضية يتبرءون من هذا كله فيوجبون الإمامة العظمى ، ويحرمون أموال الموحدين وسبي نسائهم وأطفالهم مطلقا، وكذلك دماؤهم حرام إلا ما استثناه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ". فيجب حينئذ العلم ويجب التمييز بين هؤلاء الضالين وبين الأباضية الذين هم أعدل الطوائف الإسلامية ، إذ لا إفراط في معتقدهم ولا تفريط . وهكذا نرى البعض يعتبرهم معتزلة قدرية ، وهذا باطل أيضا لأن بين الفريقين خلافا كبيرا ، أهمه مسألة القضاء والقدر وخلق أفعال العبد ، فإن الأباضية كالأشعرية في هذا الباب لا يقولون بخلق العبد لأفعاله ، ولا هو مجبور عليها.
صفحہ 3
وإن من شيء في الكون إلا وهو مخلوق لله ، وليس للعبد فيه إلا الكسب والاختيار ، فهم ليسوا من هؤلاء ولا من المرجئة القائلين بأن الإنسان إذا قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وكفته هذه الجملة عن جميع التكاليف المفصلة في الشريعة . وعلى ذكر المعتزلة أقص عليك حكاية غريبة سطرت في كتاب مشهور من كتب الفقه المالكي وهو " حاشية العدوى على الخرشى صحيفة 176 من الجزء الخامس " وقفت عليها حال مراجعتي بعض مسائل الشهادات . بعد أن ذكر المؤلف شهادات المبتدع كالقدري والخارجي تقبل أو لا تقبل الخ قال : أخبرني من يوثق به أنه مات بالسودان رجل من المعتزلة الساكنين بجزيرة جربة ، فوجدوا رأسه تحول إلى رأس حمار ، ثم تحصن بالله من غضبه ، وتعوذ به من الشيطان الرجيم . انظر بالله إلى عالم فقيه كيف تجرأ على تشويه كتابه بتسطير مثل هذه الحكاية الواهية بين دفتيه ، وقد صدقها بمجرد قول قيل له بدون أن يمحصها تمحيصا عقليا يقبله المنطق الصحيح ، وبدون أن يتنبه إلى أنه فقيه من الفقهاء الذين يجب أن لا يجهلوا أن المسخ مرفوع عن أمة محمد إكراما له صلى الله عليه وسلم وتمييزا لها عن سائر الأمم . والظاهر أن الشيخ المؤلف ممن لا يفرق بين المعتزلة والأباضية ، فكل ما عدا الأشعرية هو معتزلي في نظره ونظر فريق من العلماء الجامدين على معرفة مذهب بعينه لا يعرفون سواه إلا بالاسم و بالسماع . والواقع أن سكان جزيرة جربة - التابعة لتونس - أغلبهم أباضية ، ونحو الربع أو الخمس مالكية ، وهم على أفضل ما يرام من جهة حسن الجوار والاتفاق على خدمة مصالحهم المشتركة ومبادلة ما في جزيرتهم من المنافع . وتراهم اشد الناس عطفا على بعضهم البعض في الغربة ، وهم مشهورون بها في سبيل الرفه والغنى .
صفحہ 4
ومنها أني أريد من كل قلبي أن يزول الخلاف من بين المسلمين بتاتا أو يتلطف ويخف ، أو يبقى ولكن لا يكون مجهولا على الأقل فيجسمه الجهل ويزيده قبحا وبشاعة . وهو كما تعلم دائما الحاجز الحصين بين الحقيقة والإنسان في كل شيء من هذه الحياة . و إنه لمن المؤلم أن أقول : إني جالست كثيرا من العلماء المشهورين و الأدباء المعروفين ، وقد يصادف أن يكون موضوع حديثهم الفقه مثلا ، فتراهم يتحاورون ولكن لا يدور حوارهم إلا حول أقوال أئمة المذاهب الأربعة . ولا يذكرون المعتزلة إلا في أمهات علم الكلام ، ولا يجري على ألسنتهم ذكر المذهب الأباضي مطلقا . وكثيرا ما أقول لهم : وعند الأباضية كذا وكذا ، إلفاتا لنظرهم بلطف وأدب إلى لزوم اعتبار أقواله من الفقه الإسلامي ولو مجاملة . وقد يجاوبك أحدهم بما لا يفسر إلا بالمجاراة السطحية . إن تكرر الحال على هذا المنوال بالرغم من التعريض بنحو ما تقدم يدلنا دلالة لا تدع مجالا للشك على أن القوم لا يخلو حالهم ، أما أن يكونوا على جهل تام بهذا المذهب بحيث يجدون أنفسهم مجبورين على تجنب البحث في أقواله أو التقصير فيه ، والجهل عيب غير مغفور خصوصا بالنسبة للطبقة البارزة في الأمة. و أما أن يكون ذلك ناشئا عما تمركز في نفوسهم من أنه لا يوجد للمسلمين مذهب رسمي غير المذاهب الأربعة ، وهذا ما جعلهم يقفون من غيرهم ذلك الموقف المشين ، وإن كان فيه ما يحرج خاطر جليسهم من عدم احترامهم لمذهبه وقلة الاكتراث به . ومع ما فيه فهو اعتقاد لا يقرهم عليه أي مخالف للمذاهب الأربعة . انظر إلى أي حد بلغ حال بعض المسلمين من التعصب المذهبي ، ثم انقل النظر إلى علماء الأباضية فإنك تجدهم أحسن حالا من هذه الجهة ، فإنهم يعتبرون أقوال مخالفيهم من أهل القبلة كل الاعتبار ، ويسوقونها في تأليفهم ، قال الإمام السالمي رحمه الله :
صفحہ 5
وذلك في أرجوزته الفقهية المشتملة على نحو أربعة عشر ألف بيت ، سواء ذلك في علم الفقه أو الأصول أو الكلام . فمن يقرأ كتبهم يظهر منها عارفا بكثير مما قاله المالكية والشافعية والحنفية .
هذا ما عليه الأباضية إزاء أقوال مخالفيهم ، فأين ما ينسب إليهم من التعصب ، ومن أحق بأن ينسب إليه هذا الوصف بعد ما رأيت وسمعت . نعم ادعاء كونهم الفرقة الناجية وأن لهم أدلة تثبت ذلك هو حق . إلا أن هذا الإدعاء ما من فرقة من الفرق الثلاث والسبعين الإسلامية إلا وتدعيه . والله سبحانه يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . فلنقرأ كل ما بين الفرق الإسلامية المهمة من الفروق لتألف نفوسنا ذلك ، وتستأنس بالمرونة والتكرار بما هنالك، فيهون ما كان مهولا ، وربما زال و اضمحل بفضل المطالعة والإنصاف . فتظهر النتيجة ويصبحوا كلهم على مذهب واحد عملا واعتقادا ، ولا شيء من الصعوبة في توحيد هذه الفرق متى كان رائد الكل طلب الحقيقة ، وكان الفكر حرا مطلق العنان في البحث عنها لا يقيده التعصب ولا يزهده فيها ظرف الزمان وظرف المكان ، ولا يسيطر على النفس إلا الوجدان وسلامة النية وطهارة القلب وحرية الضمير . فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها لا يعنيه أي وعاء خرجت منه ، ولا أي مكان ظفر بها فيه .
صفحہ 6
إذا كان هذا هو معول عقلاء المسلمين فلست أرى بينهم وبين المطلوب إلا عملا قليلا في تساهل يسير ، ومن الواجب حينئذ أن تقرر دراسة التاريخ الإسلامي المجهول للتلاميذ كتاريخ الأباضية مثلا و غيره فيقفون على سيرة أئمتهم العادلين المغاربة والمشارقة كوقوفهم على سيرة الخلفاء الراشدين و الملوك الأمويين والعباسيين ومن بعدهم كالسلاجقة والأيوبيين والفاطميين والعثمانيين وغيرهم من ملوك الأندلس والمغرب والمشرق ، فينشأ التلميذ ملما بجوانب التاريخ الإسلامي ، عالما بسير الملوك العادلين والجائرين ، فيقدر بفكره المستقل أولئك ، ويسير بما اتصفوا به من العدل والإحسان ، ويجهد نفسه بأن يكون عادلا في أعماله متصفا بالفضيلة في جميع أطوار حياته . وينقبض من هؤلاء وظلمهم ويمقت الجور ويزهد فيه ويتجنب كل نقيصة تشينه . وميزان العقل إذا أطلق من قيوده هو أعدل ميزان ، وحكمه إذا أخذ به على ضوء الإيمان بالله هو أصدق حكم ، ودين الإسلام واحد وتاريخه العام هو مرآته المنطبعة فيه صوره الصحيحة ، فلمثل هذا فليدع الداعي وليعمل العامل .
ومنها أني كنت جمعت قريبا من ثلث هذا الكتاب كرسالة ، ثم بعد وقت من ذلك رغب إلى بعض الأصدقاء أن أضع كتيبا مفيدا مختصرا في نفس الموضوع ، فلم أر من بأس في إجابته إلى ما رغب ، فحورت ما جمعته أولا وأضفت إليه ما مست الحاجة إلى إضافته ونسقته على الأسلوب الذي ستراه ، متوخيا الاختصار التام . إذ ما من أحد إلا ويلاحظ عليه أنه يرغب في أول ما يرغب معرفته منك حياتك التاريخية ومعتقداتك الدينية ، وهذا ما سيستفيده القارئ من هذا الكتاب فيما يختص بتاريخ الأباضية واعتقاداتهم ...
صفحہ 7
هذا وانه لمن المروءة والاعتراف بالفضل لأهله أن نختم هذه المقدمة بالتنويه بشأن كل من الأستاذ أحمد توفيق المدني والأستاذ عثمان الكعاك والشيخ عبد الرحمن الجيلامي إذ لم يغمطوا حق الرستميين ( وهم الأباضية ) ، بل نوهوا بشأن دولتهم بالجزائر وممتلكاتها الواسعة ، وما كانت عليه من العمران والرقي والعدل الشامل الشبيه كل الشبه بعهد الخلفاء الراشدين ، والأول عن ذلك فاستطرد للتعريف بالأباضية ومواطنهم أينما كانوا قديما وحديثا . وهو عمل يستحقون عليه الثناء الجزيل من جهتين : جهة إنصافهم لهؤلاء الناس وما لهم في التاريخ من ذكر وأثر ، وجهة التعريف بهم إلى الجم الغفير ممن يجهل تاريخهم النقي الناصع الذي هو جزء متمم لعقد التاريخ الإسلامي الزاهر.
وليس دونهم في استحقاق الحمد والشكر كل من الأستاذ السيد محب الدين الخطيب والأستاذ أمين سعيد ومن على شاكلتهما من المنصفين الذين لا يكتمون الحق ولا يكابرون الوجدان فيتعمدون هضم الحقوق وطمس الحقائق . وفق الله الجميع لخير الدنيا والدين ، إنه ولي التوفيق ، نعم المولى ونعم النصير .
صفحہ 8
مقدمة مختصر تاريخ الأباضية للطبعة الثانية إجابة لرغبة جمع غير قليل من الفضلاء ، لم أر مانعا من الإذن بطبع ( مختصر تاريخ الأباضية ) للمرة الثانية ، ذلك المختصر الذي يدعو إلى توحيد المذاهب الإسلامية وإلى دراسة تاريخ الإسلام دراسة وافية ، لكي يعرف الدارس ما هنالك من خلافات بين أهل القبلة فيعمل الدارسون المصلحون على إزالتها أو تهوينها . وهذا ما قصدته من وضع هذا المختصر الذي لاقى استحسانا وتأييدا صادقين من المفكرين المجردين عن الغرض والعوض داخل الوطن وخارجه . وهم العاملون على توحيد المذاهب وجمع كلمة المسلمين على ما فيه صلاحهم ونجاحهم ، ليقفوا سدا منيعا ودرعا قويا أمام غارات المبشرين ، وهجمات الساسة الغربيين ، الذين يسعون السعي الحثيث في اضعاف المسلمين ، والحيلولة بينهم وبين استعادة سالف مجدهم وغابر عزهم . ولكن الذي يوجب الأسى والأسف أن بعض الأفاضل بدل أن يحبذوه ويشجعوه ، ثاروا في وجهه وقابلوه بغير ما يجب ، رغم إهداء مؤلفه نسخا منه لكثيرين منهم مدفوعا بحسن الظن في انهم سيقدرون مجهوده ، ويفهمون قصده . ولكنهم خيبوا ظنه ، وأغروا بعض البسطاء على إقامة مظاهرة ضد مؤلفه 1939 م بدعوى أنه كفر الصحابة وأحدث فتنة .. والحقيقة أن ليس بالكتاب أي شيء من هذا القبيل يصح أن ينسب للمؤلف ، وإنما الذي ورد فيه هو رسالة من الإمام عبدالله ابن أباض أرسلها كنصيحة وموعظة إلى الخليفة عبد الملك بن مروان جاء فيها ذكر أشياء صدرت عن سيدنا عثمان لم ترض جمهورا كبيرا من الصحابة والتابعين . وقد ذكرت في كثير من كتب التاريخ ولم يتأثر منها ابن مروان مع أنه أقرب نسبا منا جميعا إلى عثمان ، وهو من أعلم فقهاء التابعين بأحكام الإسلام .. ولم ينقل إلينا أنه بطش بابن أباض على كثرة من بطش بهم مباشرة وبواسطة عماله كالحجاج وأمثاله .وقد استغرب المنصفون من قيام تلك المظاهرة .
صفحہ 9
لأنها في الواقع قامت ضد المصلحة العامة التي يرمي إليها المؤلف ، وهي جمع العقيدة الإسلامية في مذهب واحد قولا وعملا كما هو واضح في مقدمة الطبعة الأولى . وفضلا عن هذا فإن الموعزين بها يعلمون جيدا أن هنالك أحكاما وفروضا دينية مجمعا على وجوبها تركا أو عملا تنتهك جهارا ويستخف بها علنا ولم يحركوا من أجلها ساكنا ، بينما هم قد قاموا وقعدوا لرواية تاريخية جر لذكرها سياق الحديث لا أقل ولا أكثر . وهي ليست من أركان الدين المجمع على وجوبها . ثم ان القاعدة العامة المتبعة في حرية النشر والجهر بالعقائد في كل زمان ومكان قد تخلف العمل بها في خلق هذه المظاهرة تخلفا مخجلا ، ونسي القائمون بها أن هناك أيضا أصلا معمولا به عند الفقهاء وهو أنه لا يعترض بمذهب على مذهب . وهذا نقوله لهم في صورة ما إذا ألبسنا هذه الناحية التاريخية لباس عقيدة مذهبية . أما الواقع فليس كذلك ، ولا أجد ما أقوله هنا للتسلي غير قول الشاعر :
ويا ليتهم عملوا بما يرمي إليه شاعرنا هذا ، إذا لسلموا من نقد الناقدين في هذا الموضوع وفي غيره . وعلى كل حال فكلنا بشر والبشر يخطئ في أعماله ويصيب ، والعصمة لمن خصهم الله بالعصمة.
صفحہ 10
قد كان أملي أن يعاد طبع هذا المختصر في حجم أكبر وفي ملاحظات وأبحاث أوسع ، ولكن ظروفي الخاصة وأحوالي المرتبكة بمعاكسات الزمان وصرفه لم تسمح لي بشيء من ذلك ، كما أنها لم تسمح لي بوضع يوميات أو حوليات عن مجريات حياتي منذ أيام دراستي ، أو على الأقل من أول عام ابتليت فيه بالقضاء وهو 1919 م إلى عامنا الحالي ، ولكن الأمر الواقع هو ما يحمله المثل السائر " أنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد" . و أن الإنسان في حياته الدنيا مسير غير مخير ، وكم من انسان في نفسه أشياء هامة يود أن يجهر بها ويخلد تدوينها وهو حي ، فتمنعه الموانع وتعوقه العوائق فيموت وتقبر معه أو تنشر بعده . فيحرم من مشاهدة ما كان لها من الأثر في المجتمع .. هذا ولو كنت من الذين يحفلون بتقاريظ مؤلفاتهم لقبلت عشرات منها من مختلف طبقات الشمال الأفريقي ، وقد أعرب لي كثير من الأدباء والأحرار عن استحسانهم لهذا التأليف والرضا عما جاء فيه من غايات سامية تروق في أعين المصلحين الأبرار ، وتحل من أنفسهم محل تقدير وإعجاب ، كما أكدوا لي استهجانهم موقف الذين نظروه بعين السخط والاشمئزاز ، وفي مقدمة هؤلاء الفضلاء عظيم تقي نزيه هو الأستاذ الكبير الزعيم الحر السيد محيي الدين القليبي رحمه الله ، فقد جاءتني منه رسالة قيمة سأكتفي بدرجها في صلب هذه المقدمة ، ليعلم الإنسان المفكر ويتعجب كيف تختلف آراء الناس وتتعارض أفهامهم في شيء واحد وموضوع واحد ، ذلك لتتجلى مشاعرهم واضحة كالشمس في قول الشاعر:
وهنا يوقن العاقل ويسلم تسليما لا مراء فيه بأن رضا الناس غاية لا تدرك ، وأن القول الصدق وهو ما قيل :
وإليك أخي نص الرسالة الآتية من هذا الرجل الذي لم يسبق بيني وبينه أي اجتماع أو تعارف قبل ورودها :
صفحہ 11
تونس في 25 رجب 1364 سماحة الأستاذ الأكمل مصدر الكمالات والفضائل ، أبو الربيع سليمان الباروني أبقاه الله وأمتعنا بعلمه وفضله . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد فقد دلنا عليك حسن الثناء ، وعظيم الأمل والرجاء . أما الثناء عليك فمن ألسنة الخلق ، وألسنة الخلق أقلام الباري . وأما الرجاء فيك والأمل المعلق عليك فهما نتيجة ما تجلى في كتابك القيم " مختصر تاريخ الأباضية " من آراء سامية في إصلاح المجتمع الإسلامي ، والقضاء على أسباب تفككه وتحوله عن المنهج القويم . فآراء كالتي شرحتها وآمال كالتي ترمي إلى الوصول إليها تجعلنا نمد إليك من هنا يد الأخوة ، ونطالبك بالنصيحة الخالصة ، ونؤمل منك التعاون معنا على التقوى والبر بجماعة المسلمين وما فيه خير الجميع والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفقير إلى الله الغني الأكرم : محيي الدين القليبي
هذا ما دبجه يراع ذي التصانيف العديدة في السياسة والاجتماع السيد محيي الدين القليبي ، الذي يعترف له كل من عرفه بالنزاهة والترفع عن الدنايا والإخلاص العميق لوطنه تونس وللعالم الإسلامي الذي مات غريبا في سبيل خدمته ، والذي ارتفع ذكره فيه ارتفاعا لا يقل عن زملائه في العمل ، كالأمير العظيم عبد الكريم الخطابي ، وأصحاب السماحة والشهامة الحسيني والإبراهيمي ، والمرحومين الثعالبي والباروني والسنوسي . فو الله الذي يعلم السر والجهر أن رسالة القليبي لتعبير أصدق تعبير عما يكنه ضميري من الخير والسعي إلى ما فيه صلاح المسلمين ، والحث على كل فضيلة ترفعهم إلى أعلى عليين . ولكن :
وصدق من قال :
صفحہ 12
فإلى الله أبتهل أن يمنح الإسلام الرفعة والسؤدد على أيدي مصلحين أقوياء لا يخافون في الحق لومة لائم، ولا يخشون الفقر بانفاقهم الدائم ، ولا يهابون الموت في سبيل إعزاز الدين ، وحفظ كيان الوطن وجمع كلمة المسلمين ، ليحيوا حياة طيبة سعيدة يسودها الهناء والوفاق ، حياة سالمة من الفقر والجهل والشقاق ، إنه على جمعهم إذا يشاء قدير . وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد البشير النذير السراج المنير قائد البشر إلى ما فيه السعادة والخير.
الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم
ولد نبي الله ورسوله إلى جميع خلقه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سنة 571 م حسبما حققه العالم الفلكي محمود باشا المصري من أبوين كريمين كل منهما قرشي النسب الأم آمنة بنت وهب من زهرة بن كلاب والأب ( عبدالله بن عبد المطلب ) من بيت هاشم بن عبد مناف أشرف بيت في العرب وفي قريش . ونشأ عليه السلام تحت كفالة جده نشأة صالحة لم يعهد في الناشئين مثلها - إلهاما من الله وتوفيقا وإرهاصا لنبوته - وعاش يتيم الأبوين ، ولما بلغ من العمر خمسا وعشرين تزوج بالسيدة خديجة بنت خويلد القرشية وكان عمرها إذ ذاك أربعين سنة فبقي معاشرا لها أحسن عشرة لم يتزوج غيرها قط إلى أن ماتت رضي الله عنها بعد خمس وعشرين سنة من بنائه بها كانت فيها مثالا أعلى للوفاء ومكارم الخلاق ، والقيام بجميع الحقوق الزوجية ومتعلقاتها . فتأمل كيف أنه عليه السلام لم تطمح نفسه إلى غيرها من النساء الشابات الجميلات وهو في تلك السن التي فيها دم الشباب يفور ويثور ومن شأنه أن يحمل أولي القوة والجمال إلى الرغبة فيهن . ومن هنا نتعلم أن زواجه بغيرها بعد ذلك لم يكن إلا لحكم هامة عامة تصدى لبيانها وعلة مشروعيتها جماعة من كبار المحققين في هذا العصر ، دفعا لشبهات طالما يذكرها المستشرقون وبعض النقاد المضللين .
صفحہ 13
وقد أعلن رسالته على رأس الأربعين ولم يذكره من العرب قبل ذلك أحد بسوء ولا كانوا ينظرون إليه إلا بعين الإجلال والإكبار نظرا لما اتصف به من الصفات الحميدة والفضائل الجمة وفي طليعتها الصدق والأمانة اللتان يشاهد الناس آثارهما في جميع أقواله وأعماله حتى سموه الأمين وأصبح به من يدعى من بينهم . ولما صدع بأمر ربه وقام يدعو إلى الله وتوحيده ويتلو عليهم ما نزل عليه من القرآن تلك المعجزة الخالدة التي بهت أمام بلاغتها أولئك البلغاء المطبوعون وعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا، عند ذلك كذبوه ونعتوه بالسحر والجنون وبالغوا في الأذى إلى حد لا يقوى على تحمله من لم يكن مؤيدا بقوة روحية تفوق تصورات البشر . ومحال أن يصبر على ما صبر عليه من لم يكن ملحوظا بعناية الله محفوظا برعايته محوطا بسياج من قوة قدرته. دعاهم غير مكترث بعراقيلهم المتنوعة بيقين لا عهد لهم به وثبات لا مثيل له محتسبا لله ما يلاقي من العنت والتكذيب ودام على هذا المنوال أمدا غير قصير . وقليل منهم من وفقه الله في هذه الأثناء فأسلموا على خوف عظيم مما يلحقهم من الأذى والإرهاق ، فمنهم من أذن له في الهجرة إلى الحبشة لذلك ومنهم من بقي بمكة محتسبا صابرا على ما لا يطاق مضضه ولا يقوى على تحمله إلا من تمكن الإيمان من قلبه وأخلص النية لله وحده وهم الذين ( إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) كالصديق ومن على شاكلته من المهاجرين الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس . ثم بعد البلاء الشديد الطويل العريض الذي لا يناسب هذا المختصر شرحه أمر صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد الاتفاق مع أهلها على النصر والتأييد ، فهاجر مختفيا ومعه صاحبه أبو بكر الصديق ، فوصل المدينة بعد أن رأى منه من مر بهم في طريقه من خوارق عجيبة .
صفحہ 14
فآواه المدنيون ونصروه ووفوا بما عاهدوه عليه وجهر بالدعوة . وأمر لحمايتها باستعمال الشدة والقوة فقام بسرايا وغزوات منها : بدر . أحد . والأحزاب . والفتح وحنين . وتبوك وغيرها .مما دعت إليه حماية الدعوة ونشر الدين وإبلاغه إلى العالمين . فما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى سنة 11ه ( سنة 632 م ) حتى لم يبقى في شبه الجزيرة معبود غير الله الواحد الأحد ، وحتى أبلغ المشرقين صدى دعوته إلى الله ودينه .
صفحہ 15
خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثم خلفه الصديق على الأثر بانتخاب المسلمين إياه بعد خلاف بسيط . وكان للصديق اليد الكبرى في تثبيت الناس وإقرارهم على الحالة الطبيعية . حال موت الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك حين كثر بينهم القيل والقال فمن مصدق بموته ومن مكذب ، حتى هاج الناس وماجوا من هول ما أصابهم ومن شدة الهلع الذي استولى على قلوبهم ، فما نطق أبو بكر بقول الله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) حتى شعر الناس بروح جديدة تسربت إلى نفوسهم ، وسلوى انسابت إلى أفئدتهم ، فكأنهم قبل ذلك لا يدرون أنها آية تتلى من فرط ما أصابهم من الفزع والذهول . ولا غرابة فقوة إيمان أبي بكر ويقينه لا مطمع فيهما لغيره وقد قال فيه النبي عليه السلام : " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجحه " وفضائله كثيرة لا تحصى ، وإليه وحده يرجع الفضل في حمل الأمة على حرب المرتدين الذين حدثتهم نفوسهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بالتملص من الأوامر الشرعية والامتناع من تنفيذها ، ولولاه لخارت قوى المسلمين وعظم خطر المرتدين والمتنبئين واشتد بلاؤهم وطمع في المسلمين كل طامع ، بل ربما انهار كل ما شيده الرسول عليه السلام ، فأبو بكر على قصر مدته هو الذي ثبت دعائم الدولة الإسلامية ووطد أركانها نهائيا ، وما أجمل وأوقع في النفوس خطبته رضي الله عنه التي استهل بها خلافته فكانت دستورا لعهده الميمون . وإليك نصها " أيها الناس ، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن صدفت فقوموني . الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله . لا يدع أحد منكم الجهاد ،فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل . وأطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم " ا ه .
صفحہ 16
ولما حضرته الوفاة عهد بالخلافة إلى الفاروق ، والأمة الإسلامية كلمة واحدة راضية عنه عند موته .
خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بعهد من أبي بكر تولى عمر الفاروق خلافة المسلمين سنة 13ه ( سنة 624م ) وتسمى بأمير المؤمنين ، وهو أول حامل لهذا اللقب في الإسلام ، فاقتفى أثر سلفيه بما يجب وكما يجب من عدل لا مزيد بعده لمستزيد وزهد في الدنيا منقطع النظير وشدة مشكورة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وصال وجال في حروبه الموفقة صولات زلزلت عروشا كانت تخر لعظمتها الجبابرة وتخضع لسلطان الجالسين عليها أمم تعد بالملايين ففتح بعزيمته الماضية كلا من العراق وفارس والشام وفلسطين ومصر وغيرها على يد قواده العظام أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم من الأبطال الخالدين ، ونظم الدولة الإسلامية تنظيما لم يسبق له نظير ، وبينما الناس في أرغد عيش وأهناه متمتعين بعدله وشفقته وعطفه إذ طعنه - على غير انتظار- أبو لؤلؤة المجوسي فيروز غلام المغيرة بن شعبة بمؤامرة الموالي الذين دوخ عمر ممالكهم بفتوحاته فمات شهيدا مبكيا عليه مأسوفا على مآثره وعلى سيرته المرضية وأيامه الزاهية البهية وذلك سنة 24ه ( سنة 644م ) وعهد بالخلافة إلى جماعة من كبار الصحابة جعلها بينهم شورى فحكموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وبعد اختبار وامتحان وجس لنبض الفكر العام وقع اختياره على عثمان بن عفان الأموي.
صفحہ 17
خلافة عثمان بن عفان الأموي تولى الخلافة عثمان بانتخاب الأمة عن طريق عبد الرحمن بن عوف المفوض له ذلك من طرف المرشحين إليها كما علمت . فسلك سبيل أسلافه ردحا من الدهر ، واتسعت في عهده الفتوحات شرقا وغربا وشمالا ، وأحدث أول أسطول إسلامي على يد واليه على الشام معاوية بن أبي سفيان ، وقاتل هذا الأسطول وانتصر انتصارا عظيما على الأعداء . وقد قتل عام 35ه ( سنة 655 م ) وبويع بعده علي بن أبي طالب.
صفحہ 18
خلافة علي بن أبي طالب الهاشمي بعد موت عثمان بويع بالخلافة الامام علي صهر النبي وابن عمه . بايعه فيمن بايع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام . ثم نكثا ما بعنقهما من البيعة واستنفرا معهما السيدة عائشة بنت أبي بكر .فحاربهم علي وقهرهم في واقعة الجمل المشهورة . وفيها قتل طلحة والزبير وألوف من الطرفين . وأما السيدة عائشة فقد تابت من عملها بعد ذلك وندمت أشد الندم خصوصا لما أخبروها بأنها مرت يومئذ على ماء الحوأب الذي أخبرها الرسول بأن احدى نسائه ستنبحها كلابه وهي متلبسة بمعصية .ثم وجه فكره إلى حرب معاوية بن أبي سفيان حاكم الشام فحاربه . وأشد الوقائع هولا وبلاء وقعة صفين التي مات فيها من المسلمين عشرات الألوف . وكادت الدوائر تدور على معاوية لولا دهاؤه ودهاء عمرو بن العاص مستشاره إذ دبرا ما أوقع التفرقة في صفوف المسلمين من رفع المصاحف ( إشارة إلى تحكيم المصحف الشريف ) فانطلت الحيلة ونفذت المكيدة وتفرق رأي قوم علي : فمن قائل إن هذه حيلة يريدون بها أن يفرقوا كلمتكم ويلقوا الفتنة بين صفوفكم فامضوا على حقكم وواصلوا القتال حتى يتم لكم النصر ، ومن هؤلاء أصحاب عبدالله بن وهب الراسبي . ومن قائل أن القوم يريدون السلم وحقن الدماء بين المسلمين إذ جعلوا كتاب الله بيننا وبينهم ، فلا بد من توقيف القتال لنقف على حقيقة الحال ونفتح باب المفاوضة معهم . فتغلب هذا الرأي وعين الطرفين حكمين أبا موسى الأشعري عن علي وعمرو بن العاص عن معاوية ، وبعد جدال عنيف ومذكرات سرية طويلة اتفق الطرفان على عزل معاوية وعلي ورد الأمر إلى من ينتخبه المسلمون بعد . فكان باطن أبي موسى في ذلك كظاهره . ولكن عمرا كان يظهر خلاف ما يبطن . فأعلن الأشعري عزل علي ومعاوية لأنه هو القائم أولا بتقديم زميله إياه .. وأما عمرو فلما قام أعلن موافقته أبا موسى الأشعري في عزله عليا وأثبت صاحبه معاوية .
صفحہ 19
فكان لهذا التحكيم أثره السيء وعواقبه الوخيمة على علي خاصة وجاء خير خادم لمصلحة معاوية . فخالف عليا قوم ووافقه آخرون فحارب من خالفه وندم . وحارب معاوية ولم يتوفق وأمضى بقية عمره في تعب وعناء وهرج ومرج إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم سنة 40 ه ( سنة 660 م ) وكسرى العرب معاوية بن أبي سفيان لم ير منذ التحكيم إل ما يسره من الاقبال والتوفيق فقد أخذ كثيرا من البلاد التي كانت تابعة لعلي كمصر والحرمين واليمن وغيرها شيئا بالشدة والقسوة وشيئا باللين والاحسان وأساليب السياسة . ولا تسأل عن أهل الشام أنصاره الأصليين فانهم ما برحوا طوع اشارته لا يردون له أمرا ولا يسفهون له رأيا.
الحسن بن علي بن أبي طالب
ولما قتل ابن أبي طالب كما تقدم بايع العراقيون ابنه الحسن . فما مضى غير زمن يسير حتى سلم الأمر لمعاوية.
ملك معاوية بن أبي سفيان
ولما سلم الحسن ثم مات صفا الجو لمعاوية فشمر عن الساعد مجدا في كل ما يوطد ملكه ويدعم سلطانه . واتسعت في عهده الفتوحات من كل جهة وتقوى الاسطول في عهده قوة هائلة . ولما بلغ مراده وقبض على صولجان الملك بيد من حديد فكر في أخذ البيعة بولاية العهد لابنه يزيد فتم له ذلك أيضا بلا تعب ولا كبير عناء.
صفحہ 20
اليزيد بن معاوية ومعاوية بن اليزيد ولما مات معاوية سنة 60 ه ( سنة 679م) تولى اليزيد بعهد منه فعاث في الأرض فسادا وشرب الخمر وأتى من أنواع المنكر والمحرمات . وفي أيامه وعلى يد عامله على العراق عبيد الله بن زياد كانت واقعة كربلاء المشهورة التي قتل فيها الحسين شهيد الحق وشهيد الدفاع عن حريمه وشرفه . وفي أيامه أيضا كانت وقعة الحرة التي استبيحت فيها المدينة المنورة حرم الرسول ثلاثة أيام وانتهكت حرمة مكة المكرمة ورماها قائده بالمنجنيق ، ولما مات اليزيد سنة 64 ه ( سنة 682م) بويع ابنه معاوية وكان رجلا تقيا من جهة وضعيف الإرادة من جهة أخرى فما لبث غير ثلاثة أشهر حتى أجمع أمره على التسليم في الملك فصعد المنبر والناس مجتمعون فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : أما بعد فإني قد ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم . ثم توارى عن الأنظار إلى أن مات . وبه انتهى ملك آل أبي سفيان بن حرب من بني أمية فانتقل الملك إلى فرع آخر منه وهم آل الحكم بن أبي العاص.
ملك مروان بن الحكم وبنيه
تولى مروان بن الحكم سنة 64ه ( سنة 682م ) بعد تردد وبعد أن هم بالذهاب إلى عبد الله بن الزبير ليبايعه بالخلافة وقد بايعه أهل الحرمين وكثير من الأقطار قبل ذلك أي في أواخر أيام يزيد بن معاوية وكاد الأمر يتم لابن الزبير لو استعمل شيئا من الدعاية والدهاء في السياسة فقد كان عامل دمشق الضحاك بن قيس معه أيضا وغيره كالحصين بن نمير الذي كان محاصرا له بمكة من قبل اليزيد فقد دعاه إلى الذهاب لأخذ البيعة له من أهل الشام ومن نفس رؤساء الجيش المعاصر فأبى . فكان ما أراده الله من بيعة مروان الذي هم كما قلنا بمبايعة ابن الزبير لولا قواد بني أمية ومعارضتهم له . ومات مروان سنة 65ه.
صفحہ 21