غاباتها ، وطوف بنا في أقطار الأرض شرقها وغربها ، جنوبها وشمالها ، صعد بنا في سمواتها وتجول بين كواكبها ، ثم عاد بنا إلى أرضها وبشرها. وذكر لنا طرفا من غرائب طبائع أهلها وعجائب ما عملوا ومبهر ما صنعوا ، واختلاف أخلاقهم شرها وخيرها ، وأنبيائهم وفجارهم ، وملوكهم وصعاليكهم ، وسادتهم وعبيدهم ، فكان يفيد أحيانا كثيرة ويجانبه الصواب أحيانا أخرى.
ووعظ فأثر ، ونصح فأرشد ، وحذر فأرهب.
وتكلم عن البحار وعجائبها ، والمياه وغرائبها ، والآبار وخصائصها ، والأشجار وصفات ثمارها ، والوحوش وأطباعها ، والبشر وأخلاقهم حميدها وذميمها.
وتكلم عما منح الله لهم من العلوم العجيبة والغريبة غير العلوم المعلومة أو المعروفة الملموسة والمحسوسة والمشاهدة.
فتكلم عمن تعلم علوم السحر ، وأحكم علوم الطلاسم ، ومن أبدع في الكيمياء ، ومن برع في الطب ، ومن تمكن في الهندسة المعمارية ، أو الميكانيكية وما كان يسمى بعلم الاحتيال. وتكلم عن مكر الماكرين وخداعهم وتغريرهم بضحاياهم ، وكيف أن حيلهم قد انطلت على هؤلاء الضحايا وليسوا من عوام الناس ولا من بسطائهم بل هم ملوك في بلادهم أو قادة لجيوش جرارة فوقعوا بسهولة في شراك مكرهم.
وتكلم عن عجائب التماثيل أو الأصنام ، والتي منها عجل السامري ، وكيف أمكن لمن سبق أن يصنع ويحكم مثل تلك التماثيل العجيبة المحيرة مثل التماثيل التي تتحرك بحركة الشمس ، والأخرى التي تتحول من جهة إلى أخرى بتحول فصول السنة الأربعة ، وتلك التي تميز بين الصادق والكاذب ، وما يقوم منها بعمل الحراسة الدقيقة كغلق الأبواب وفتحها ، أو تثبيت الغريب حتى لا يدخل بغير إذن أصحاب الحصون أو حراسها ، أو مثل الموائد التي لا يشبع الجالس إليها من الأكل وإن واصل الأكل ليل نهار ، أو ما ألفوه من الأدوية النافعة من أول مرة أو الضارة القاتلة الفتاكة.
وما عرفوا من خصائص الطير ، والحيوانات ، والسباع ، والأسماك ، وغرائب الأشجار والنباتات ، وعجائب المخلوقات التي لم نقف عليها أو لم نر لها مثيلا في حياتنا من طير وحيوان ونبات حتى أن كلامه أحيانا يكون حقيقيا ولا يكاد يصدقه العقل وهو فيه صادق كل الصدق وما ذلك إلا لشدة غرابته ، والقاعدة تقول : المرء عدو ما جهل.
ثم يأخذ في آخر الكتاب في غرائب الإنسان من حيث الأخلاق والطباع والعادات والتقاليد ، فذكر بعبر ، ونصح بنصائح وذكر في ذلك أشعارا كثيرة غير أنه عند كلامه عن العشق والعاشقين وغرائب ما صنعوا أو قالوا ، فبلا تردد أقول : إنه قد أسرف في سرد
صفحہ 6