يقال لهم: أخبرونا عن مفارقة النور والظلمة قبل الممازجة (¬1) ، لطبيعة كان ذلك أم لغير الطبيعة؟ فإن زعموا أنها لطبيعة أبطلوا الممازجة؛ لأن ما كان لطبيعة فلا ينقلب، والطبيعة غير منقلبة، فإن قالوا: افتراقهما اختيار، قيل لهم: فكيف قلتم إنهما امتزاجا بعد أن افترقا؟ وما يدريكم لعلها امتزاجا قبل هذا الافتراق، ثم افترقا قبل ذلك الامتزاج، إذ كان افتراقهما اختيارا، أم كيف قضيتم بأنهما لم يمتزجا قبل الافتراق؟ وذلك كله منهما اختيار. ثم يقال لهم: أخبرونا عنهما، أليسا لم يزالا مفترقين؟ قالوا: بلى، قيل لهم: فكيف حتى قلتم: إنهما امتزجا بعد ذلك، وبطل الافتراق الذي لم يزالا به؟ وكيف يبطل ما لم يزل؟ وقد أنبأنا عن فساد بطلان الشيء إذا كان لم يزل في غير موضع، ثم يقال لهم: أخبرونا عن ممازجة النور والظلمة، أحدث عن ممازجتهما شيء أم لم يحدث شيء؟ فإن قالوا: لم يحدث شيء، قيل لهم: فكيف امتزجا، ولم يحدث عن الممازجة شيء؟ فهلا قلتم: إنهما على مفارقتهما الأولى، إذا لم يحدث لهما شيء لم يكن، فإن رجعوا وقالوا: قد حدث عن ممازجتهما شيء، قيل لهم: فما هو ذلك الشيء، أظلمة أم نور، أم شيء غير الظلمة والنور؟ فإن زعموا أن الحادث شيء ليس بنور ولا ظلمة نقضوا أصلهم الذي بنوا عليه مذهبهم، وأثبتوا حالا ثالثة لا نور ولا ظلمة، (¬2)
¬__________
(¬1) - سقط من (ب) لفظ "الممازجة".
(¬2) - يقول ابن حزم: لقد ناظر "ماني" أذرباذ بن ماركسفند موبذ موبذان (هو فقيه الهند ورئيس الديانة عندهم كقاضي عند المسلمين) في مسألة قطع النسل وتعجيل فراغ العالم، فقال له الموبذ: أنت الذي تقول بتحريم النكاح ليستعجل فناء العالم ورجوع كل شيء إلى شكله، وأن ذلك حق وواجب...؟
فقال له "ماني": واجب أن يعان النور على خلاصه بقطع النسل مما هو فيه من الامتزاج.
فقال له "أذربان": فمن الحق الواجب أن يعجل لك هذا الخلاص الذي تدعو إليه، وتعان على إبطال هذا الامتزاج المذموم، فانقطع ماني فأمر بهرام بقتل "ماني".
صفحہ 35