... فأول ما نبدأ به من ذلك مقالة المنانية (¬1) حين زعموا أن الأشياء تكونت من أصلين قديمين: نور وظلمة، وأنهما جميعا فعالان، دراكان حساسان، وأنهما لم يزالا مفترقين، حتى بغت الظلمة على النور فمازجته، فعند ذلك تكونت الأشياء عند امتزاجها، فكل ما حدث من نور، وخير، وعلم، وبر فهو من أصل النور، وكل ما يحدث من ظلمة، وشر، وجهل، وفجور، وكل شيء قبيح فهو من أصل الظلمة (¬2) .
¬__________
(¬1) - أصحاب ماني بن بابك الثنوي صاحب القول بالنور والظلمة، ظهر أيام سابور بن أردشير ملك الفرس، فاتبعه قليلا ثم رجع إلى المجوسية. ويقال: إن ماني من "همدان"، انتقل أبوه إلى بابل، وكان ينزل المدائن، فتوجه منها إلى بيت الأصنام، فسمع من الهيكل هاتفا يقول: يا فتق لا تأكل لحما، ولا تشرب خمرا، فدان بهذا المذهب، وكانت امرأته حاملا "بماني"، فلما ولد نشأ على دين أبيه، وكان على صغره ينطق بالحكمة، ولما تم اثنتي عشرة سنة زعموا أن الوحي يأتيه، ودعا إلى ديانة، وتبعه خلق كثير من المجوس، فقتله "سابور بن بهرام"، وقيل إن قاتله هو "بهرام بن هرمز بن سابور". راجع الفرق بين الفرق 271، والملل والنحل للشهرستاني 2/73، ودائرة المعارف الإسلامية.
(¬2) - يقول صاحب كتاب الفرق بين الفرق: إن "ماني" قال في بعض كتبه: إن الأرواح تفارق الأجساد فتكون في نوعين: أرواح الصديقين، وأرواح أهل الضلالة، فأرواح الصديقين إذا فارقت أجسادها سرت في عمود الصبح إلى النور الذي فوق الفلك، فبقيت في ذلك العالم على السرور الدائم، وأرواح أهل الضلال إذا فارقت الأجساد وأرادت اللحوق بالنور الأعلى ردت منعكسة إلى السفل، فتتناسخ في أجسام الحيوانات إلى أن تصفو من شوائب الظلمة، ثم تلتحق بالنور العالي. راجع الفرق بين الفرق 271، وراجع أصول الدين، ص53، والمغني للقاضي عبد الجبار ج14 ص 15، ومقالات الإسلاميين للأشعري، ص332.
صفحہ 34