فتح سرغون السامرة وجلا السواد الأعظم من سكان مملكتها إلى بلاد الآشوريين، ثم فتح بختنصر ملك بابل أورشليم ونفى كبراءها، ومعظم رجال مملكتها إلى بلاد الكلدان وفر بعضهم إلى مصر، فكانت إقامة اليهود في هذه البلاد مع ما طبعوا عليه من التقلب والملل في أمر دينهم معثرة كبرى، فترك أكثرهم الرب إلههم ودانوا بما يدين أهل البلاد التي جاءوا إليها، وبقي جمهور منهم يتقي الرب ويتذكر أورشليم والهيكل على أن الله تداركهم بأعظم أنبيائه، فأقام حزقيال ودانيال بين ظهرانيهم يكثران من النصح والتوبيخ والتهديد لهم، وإرميا استمر في أورشليم ورافق من فر منهم إلى مصر، ولم يتقاعد عن أن يحذر المجلوين من ترك الرب والانخداع بمعبودات البابليين، وإشعيا كان قبل الجلاء، لكنه تنبأ عليه وحذر من معاثره، وأكثر الحث على التشبث بعروة إيمانهم الوثقى.
وامتاز دانيال في بلاد السبي بحكمته كما في فصله دعوى سوسنة، وتعبيره حلمي بختنصر ورؤياه بالتنصر ملك بابل، وتقدمه بدولة الفرس، وكشفه عن خديعة كهنة بال، وقتله التنين وإلقاء داريوس له في جب الأسد مكرها بمكيدة حاسديه، وإنقاذ الله له من ضرها، وممن امتازوا في بني السبي حننيا وميشائيل وعزريا، الذين طرحهم بختنصر في أتون محمى بسبعة أضعاف؛ لعدم سجودهم للتمثال الذي صنعه من ذهب، ونصبه في بقعة دورا بإقليم بابل، فنجاهم الله من لهيب النار بملك أرسله لنجاتهم، ومن السبي أيضا طوبيا البار من سبط نفتالي، وخبره وخبر ابنه مبسوطان في السفر المعروف باسمه.
وقد بقي بنو إسرائيل في هذا السبي سبعين سنة بدؤها سنة 598ق.م، إذ أسر بختنصر يوخانيا ملك بني إسرائيل وأخذه إلى بابل، وأخذ معه عشرة آلاف من رؤساء أورشليم وكبرائها إلى سنة 520، إذ تغلب ملوك الفرس على ملوك بابل، وقرضوا دولتهم وملك قورش الفارسي. (21) عود بني إسرائيل من السبي، وما كان لهم إلى أن ملك إسكندر الكبير
جاء في سفر عزرا (فصل 1) أن قورش ملك الفرس كتب منشورا في مملكته كلها قائلا: «إن إله السموات أوصاني بأن أبني له بيتا في أورشليم، فمن كان منكم من شعبه فإلهه يكون معه وليصعد إلى أورشليم ويبني بيت الرب.» ودنيال كان مقربا إلى هذا الملك، وكان قد كتب قبل مولده أن الرب سيقيمه ملكا، ويلهمه رد شعبه إلى أورشليم وبناء الهيكل، فكان قورش قرأ هذا وهم بإتمامه وأمر أن ترد جميع الآنية الذهبية والفضية، التي كان بختنصر قد أخذها من هيكل أورشليم، فدفعت إلى رئيس العائدين من السبي، فعاد زربابل ويشوع بن يوصادق الكاهن، ومعهم اثنان وأربعون ألفا وثلاثمائة وستون ما خلا العبيد والإماء، فأقاموا بأورشليم وما جاورها، وكان جم غفير من إخوانهم استمروا هناك فانضموا إلى العائدين، وكانت باكورة أعمالهم الاهتمام ببناء الهيكل في محله الأول، وطلب السامريون أن يشتركوا معهم في بنائه، فأبى زربابل مشاركتهم فطفقوا يقلقونهم في بنائه، ولما مات قورش شكوهم إلى ابنه كمبيس بأنهم يحضون أورشليم، ويريدون أن يعصوا ولم يدفعوا الجزية، فأمر بتوقيفهم عن البنا وعاد زربابل حاكم اليهود بأورشليم يستعطف دارا إلى الإذن بتكملة بناء الهيكل فأذن به، فرجع معه نحو خمسين ألفا من سبط يهوذا وبنيامين سنة 520، ثم استأنف زربابل البناء سنة 518، فكمل سنة 516ق.م، وعاد بعدئذ عزرا بن سرايا من سبط هارون يصحبه بعض الكهنة وبعض العامة، فكانت لعذرا الكلمة النافذة في أورشليم في إقامة قضاة وحكام بحسب أمر أرتحشستا ملك الفرس له، وكان يحافظ على سنة موسى، ويأمر وينهى بموجبها، وبحسب أمر الملك، ومن أوامره حظره على بني إسرائيل الزواج بأجنبيات.
واستمر عزرا على ذلك إلى أن وفد إلى أورشليم نحميا حاكما من لدن أرتحشستا، وكان نحميا هذا من سبط يهوذا، وقد ولد في بابل وكان يحن إلى أورشليم موطن آبائه، وكان ساقيا لأرتحشستا الذي تزوج بأستير، ولما بلغه سوء حال أورشليم، وأن أسوارها لم تزل مهدمة شكا الأمر إلى الملك، فأرسله حاكما إلى أورشليم سنة 445، وولاه على قومه، وعنى بإقامة أسوار أورشليم فأتمها بوقت وجيز رغم العراقيل التي كان يوجدها له والي السامرة وغيره، ودشن هذه الأسوار باحتفال، وكان ممن استمروا في بابل مردكاي عم أستير من سبط بنيامين التي تزوج بها أحشورش أحد ملوك الفرس ... والأظهر أنه أرتحشستا المعروف بذي اليد الطولى، وقد سمته الترجمة السبعينية أرتحشستا، وخبر أستير مبسوط في السفر المعروف بها، ولم تنبأنا الأسفار المنزلة بشيء من أخبار اليهود في المدة التي من موت نحميا إلى ولاية إسكندر الكبير على اليهودية، وهذه المدة هي زهاء مائة سنة، والمعلوم أنهم كانوا خاضعين لملوك الفرس يدبر شئونهم عظماء كهنتهم، ويظهر أنه كان عندهم بعد موت نحميا ندوة شيوخ مؤلفة من سبعين شيخا، كما كان في أيام موسى، ومنهم قضاة يجلسون في أورشليم يومي الاثنين والخميس للقضاء للشعب. (22) في أنبياء العبرانيين
وكان الأنبياء في العبرانيين كثيرين، فمنهم: آدم إذ أوحى الله إليه أن يكون مخلص من نسل المرأة التي تسحق رأس الحية، ونوح إذ أوحى الله إليه أن المخلص يأتي من نسل سام، وإبراهيم إذ أوحى إليه أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض، ويعقوب إذ تنبأ أن المسيح يأتي من نسل يهوذا ابنه، وموسى إذ تنبأ أن الرب يقيم لبني إسرائيل نبيا مثله من إخوتهم، وداود إذ إن زبوره مفعمة من النبوات على المسيح، وقد عدهم إكليمنضوس الإسكندري خمسة وثلاثين نبيا بعد موسى وخمسة قبله، وجعلهم أبيفانيوس ثلاثة وسبعين نبيا في العهدين القديم والجديد، والأنبياء الذين كتبت نبواتهم في الأسفار ستة عشر منهم: أربعة كبار وهم إشعيا وإرميا وحزقيال ودانيال، واثنا عشر صغار ستأتي أسماؤهم ... وسمي الكبار كبارا مراعاة لطول أسفار نبواتهم والصغار صغارا لوجازة نبواتهم، وهذا جدول يتبين منه زمان كل من الأنبياء وأسماء الملوك الذين تنبئوا في أيامهم:
أسماء الأنبياء
سني نبواتهم تقريبا
الملوك الذين كانوا في أيامهم
عوبديا
نامعلوم صفحہ