مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
اصناف
في تلك الأثناء كانت تروس الدبلوماسية الدولية تتجه نحو التدخل. في العشرين من ديسمبر أذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بنشر قوة بقيادة أفريقية في مالي، وبعد ثلاثة أيام، شرع الجهاديون في هجوم جديد على أضرحة تمبكتو في تحد للمجتمع الدولي. سار المقاتلون بمركباتهم في الشوارع والأسواق وهم يخبرون الناس بأن هذه الأماكن الوثنية لا بد أن تهدم. ثم، بحسب ما تذكر أحد شهود العيان، «نفذت الشرطة الإسلامية، مستخدمة المعاول والمجارف، عملية هدم لخمسة أضرحة.» ومجددا ، تعهدوا بأنهم لن يتركوا ضريحا واحدا قائما.
إذا لم يكن ذلك صادما بدرجة كافية، فإن المفاوضات في تمبكتو بشأن المولد النبوي كانت هي الأخرى قد وصلت إلى حد الأزمة. في عام 2013 كان الاحتفال بمولد النبي سيحل في يوم الخميس، الموافق الرابع والعشرين من يناير. كانت المدينة إلى حد كبير قد أذعنت لأمر إلغاء المناسبة عندما قام أبو زيد بزيارة مفاجئة للإمام الأكبر عبد الرحمن بن السيوطي. انتهز الإمام الفرصة ليسأل أمير القاعدة عن الاحتفال. تذكر سانيه شريفي ألفا، الذي كان قد وردت إليه تفاصيل هذا اللقاء، قائلا: «أخبر الإمام أبا زيد بأنه يريد التحدث بشأن الاحتفال بالمولد.» أجاب أبو زيد بأنه سيرجع في هذه الأمور إلى فقهائه الإسلاميين، «العلماء». وقال: «هم الذين سيتخذون القرار بشأن الأمر.» ثم أردف: «عندما تكون مستعدا، أحضر علماءك وسنحضر علماءنا ويمكنهم أن يتناقشوا في الأمر. إن استطعتم إقناعهم، فلن يكون ثمة مشكلة.»
مع اقتراب حلول المولد النبوي، اجتمع الطرفان وتناظروا بشأن الأمر طيلة الصباح. استحضر الإمام الأكبر الأمر قائلا: «التقينا هنا في منزلي.» ثم أردف: «طلبوا منا أن نعرض حججنا وأدلتنا الداعمة إن كانت لدينا والتي من شأنها أن تجيز إقامة المولد النبوي.» دام اللقاء من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثانية من بعد الظهر، حيث طرح «علماء» تمبكتو قضيتهم، استنادا إلى النصوص الإسلامية، بشأن الاحتفال الذي كانوا يحتفلون به منذ قرون. قال فقهاء الجهاديين، بحسب ما ذكر ألفا: «نحن لا ننكر أي شيء مما تقدمتم به في أطروحتكم، ولكن ثمة أمرا واحدا لا يعجبنا يحدث أثناء المولد؛ وهو أنه يحدث الكثير من الانحراف، والكثير من الضلال. ولا يمكننا أن نقبل بذلك.»
أجاب ممثلو المدينة: «إن أولئك الذين يأتون بالضلال والانحراف لا ينتظرون المولد ليفعلوا ذلك.» ثم أضافوا: «فتلك هي حياتهم قبل المولد وأثناءه وبعده. ليس المولد هو الذي يتسبب في هذا، وليس ذلك سببا لمنعنا من الاحتفال به.»
عندما انتهت المناقشة، قيل للتمبكتيين إنهم سيتلقون القرار قريبا، على أساس الجهد الذي كان الطرفان قد بذلاه معا.
بحلول بداية العام الجديد أصبح واضحا السبب الذي من أجله عقد لقاء إساكان. في الأول من يناير، بعث آغ غالي بمطلبين متطرفين للحكومة المالية؛ وهما أنها يجب أن تعترف بالاستقلال الذاتي لأزواد وأن تعلن عن «الطابع الإسلامي لدولة مالي» في الدستور. ورفضت الحكومة. في اليوم التالي، بدأ نحو ألف وخمسمائة جهادي في التجمع في بامبارا ماوندي، وهي القرية التي كانت بمنزلة محطة توقف للشاحنات في منتصف المسافة بين تمبكتو ودوينتزا. في يوم الثلاثاء، الموافق الثامن من يناير، جرى تبادل لإطلاق النار عبر الخط الأمامي، وفي تلك الليلة تقدمت مئات من عربات الجهاديين صوب كونا، الواقعة على مسافة أربعين ميلا داخل المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة. وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي هاجموا البلدة من ثلاث جهات، وبحلول وقت متأخر من العصر كانت قد سقطت. قال متحدث باسم المتمردين لوكالة فرانس برس عصر يوم الخميس: «نحن في كونا من أجل الجهاد.» ثم أضاف: «لدينا سيطرة شبه كاملة على البلدة. وبعد هذا سنواصل التقدم جنوبا.»
كانت موبتي تبعد أقل من ساعة بالسيارة. إن استولى عليها الجهاديون، فلن يكون ثمة ما يوقفهم عن المضي في طريقهم وصولا إلى باماكو.
في صباح اليوم التالي، الجمعة، الموافق الحادي عشر من يناير، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن بلاده ماضية إلى الحرب. قال، بينما كان واقفا أمام علم أمته ثلاثي الألوان في قصر الإليزيه: «لقد قررت أن فرنسا سوف تستجيب، إلى جانب شركائنا الأفارقة، إلى طلب السلطات المالية.» كانت عملية سيرفال، وهي العملية العسكرية الفرنسية لاستعادة شمال مالي، على وشك أن تبدأ. •••
كان حيدرة قد تلقى تحذيرا من خبراء الحفاظ على التراث مفاده أن نهاية الاحتلال ستكون الفترة الأخطر على المخطوطات: «قبل بدء كل هذا، قال لي الناس إنهم في اليوم الذي سيرحلون فيه سيحرقون كل شيء. سيخربون كل شيء. كل شيء ذا أهمية. كان ذلك جزءا من النصيحة التي قدموها لي. لكني لم أكن أعرف كيف سيحدث الأمر.» أيضا أقلق احتمال تجدد القتال شاميل جيبي، رئيس مشروع مخطوطات تمبكتو في جامعة كيب تاون. قال: «أينما ترى تدخلا عسكريا، يكون من المحتم أن تتعرض الأشياء للتدمير.» ثم أردف: «كان خوفي في البداية من التجاهل. الخوف الآن من الحرب الصريحة والصدام العسكري.» أرسلت المديرة العامة لليونسكو نداء إلى كل الفرق العسكرية في البلاد ألا تلحق المزيد من الضرر بآثار تمبكتو؛ إذ قالت إيرينا بوكوفا: «إنني أطلب من كل القوات المسلحة أن تبذل كل ما وسعها لحماية التراث الثقافي لهذا البلد.» ثم أردفت: «إن تراث مالي الثقافي هو تحفة رائعة ينبغي للإنسانية جمعاء حمايتها. إن هذا هو تراثنا المشترك، ومن ثم لا يمكن بحال من الأحوال لأي شيء أن يبرر الإضرار به. إنه يحمل هوية وقيم شعب بأكمله.»
على خلفية الصراع الوشيك، استأنف حيدرة ودياكيتي نشاطهم في جمع التبرعات. في الرابع من يناير، ذهبا إلى مجمع السفارة الألمانية شديد التحصين على الضفة الجنوبية للنهر في باماكو. كان السفير غائبا في إجازة مرضية طويلة، ولكن القائم بالأعمال، توماس شترايدر، الذي كان قد وصل منذ وقت قريب، وافق على الالتقاء بهما. تذكر شترايدر أن حيدرة بدا قلقا. قال: «كان يفتش عن حلفاء جدد في المجتمع الدولي ليساعدوه في تمويل هذه الإجراءات [المتعلقة بالإجلاء].» ثم أضاف: «كان بحاجة إلى المال.»
نامعلوم صفحہ