مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
اصناف
إن ذلك هو ما يهفو إليه قلبي،
أن أرتقي درجات الشهرة الشاقة،
أن أنال نصيبي من التمجيد الذي يسبغه العدل،
وأن أمنح نفسي اسما خالدا.
انطلق لينج من طرابلس في صيف عام 1825، ممتطيا جمله عبر حرارة الصحراء الكبرى البالغة 120 درجة. كانت الأرض في هذا الوقت من العام قاحلة جدا حتى إن جماله صارت نحيفة كهيكل عظمي. أما دليله الذي كان ذا شخصية معتدلة وودودة على الساحل، فأصبح أكثر جشعا كلما ارتحلوا جنوبا، وفي تنزروفت، وهو سهل ملتهب الحرارة في مساحة كاليفورنيا، يبدو أنه خان لينج وأسلمه لمجموعة من الطوارق. أحاط رجال مدججون بالسلاح بخيمة المستكشف في الليل، وأطلقوا عليه النار، واخترقوا خيمته قبل أن يتركوه ظانين أنه فارق الحياة. تعد رواية لينج عن الإصابات التي لحقت به في هذا الهجوم واحدة من أبرز الآثار في ملف وزارة المستعمرات. فقد كتبت في العاشر من مايو من عام 1826، من معسكر صحراوي على بعد مائتي ميل شمال تمبكتو. حتى هذه المرحلة، كانت رسائله مكتوبة بخط منمق مزخرف مائل. أما هذه الرسالة، المبقعة حاليا بالعفن الفطري، والتي طبقاتها المطوية مسودة بتراب الصحراء الكبرى، فعبارة عن شخبطة لأعلى ولأسفل بغير نظام، ومكتوبة، كما أوضح، بيده اليسرى.
كتب يقول: «عزيزي القنصل، أرسل إليك رسالة قصيرة فقط، بواسطة وسيلة إرسال غير مضمونة، لأحيطك علما بأنني أتعافى من ... جروح بالغة تفوق بكثير أي حسابات كان يمكن لأي توقعات متفائلة أن تتوقعها.» تفصيل الواقعة عبارة عن حكاية مفاجئة من «الحرب والخيانة الدنيئة»، لكن لا بد من الاحتفاظ بها لوقت آخر. أما الآن، فسوف يحيط القنصل علما بعدد وطبيعة الجروح التي أصيب بها في الهجوم:
بداية من الأعلى، لدي خمسة جروح بسيف قاطع على قمة الرأس، وثلاثة على الصدغ الأيسر، وانفصل كثير من العظم من كل الكسور الناتجة عنها، وواحد على خدي الأيسر كسر عظمة الفك وقسم الأذن، مشكلا جرحا قبيح المنظر، وواحد على الصدغ الأيمن، وجرح غائر مريع في خلفية العنق، خدش القصبة الهوائية خدشا بسيطا.
كانت لديه طلقة بندقية في الورك، اخترقت جسده، وخدشت أثناء مرورها عموده الفقري. وكان لديه أيضا خمسة جروح بسيف قاطع في ذراعه ويده اليمنى، وهي «غائرة بعمق ثلاثة أرباع طولها»، وقد اخترقت عظام الرسغ. وكان لديه ثلاثة جروح في ذراعه اليسرى، التي كسرت، وجرح بسيط في رجله اليمنى، واثنان، منهما «جرح غائر مريع»، في رجله اليسرى، فضلا عن الضربة التي تلقاها في أصابع اليد التي يستخدمها للكتابة.
مدققا في حصيلة الخسائر هذه، كما لا بد أن القنصل الجزع قد فعل عندما وصلت الرسالة طرابلس بعد ستة أشهر، سيبحث القارئ عن مؤشرات على التراجع. من المؤكد أن لينج كان يخطط للعودة من أسرع طريق ممكن، ما إن تسمح حالته بذلك، مبتكرا طريقة لتجنب قطاع الطرق في طريق عودته. لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق. إن جاذبية تمبكتو، الواقعة وراء الأفق، والتي لم تكن قد وقعت عليها عين أوروبية بعد، كانت جاذبية شديدة للغاية. إنه لن يجلب على نفسه العار بالاستسلام الآن. قال للقنصل إنه «بخير» رغم جروحه. وأضاف أنه ما زال يأمل في أن يعود إلى إنجلترا ومعه «الكثير من المعلومات الجغرافية المهمة.» لقد اكتشف أمورا كثيرة لا بد من تصحيحها على خريطة أفريقيا، وكان يتضرع إلى الرب أن يمنحه الوقت لينهي مهمته.
بعد شهرين تقريبا، كتب لينج مجددا. لقد أصبح موقفه أسوأ. لقد أصاب المعسكر «داء مروع» أشبه بحمى صفراء أودت بحياة نصف من فيه، وفيهم آخر من بقي من خدمه. وأبلغ القنصل بتعاسة: «أنا الآن العضو الوحيد الباقي على قيد الحياة من أعضاء البعثة.» وأضاف: «إن وضعي ليس طيبا على الإطلاق.» ومع ذلك، فإن حس المصير لديه الذي ينقله قوي جدا:
نامعلوم صفحہ