فأما قوم من الأوائل فوافقوهم فيما ذكروا من طبائع هذه الأركان وخاصيتها وخالفوهم في الألوان والطعوم وزعموا أن بعض هذه الأركان له لون وطعم وبعضها له لون ولا طعم وبعضها لا لون له ولا طعم إلا أنه قابل للألوان والطعوم فأما الركنان اللذان لهما لونان وطعمان فهما الماء والأرض وإن لون الماء البياض وطعمه العذوبة ولون الأرض الغبرة والكمودة وطعمها المرارة وقال قوم إن طعم الأرض العذوبة واحتجوا على ذلك بأن قالوا إن الأرض منبتة للأشياء ولو كان طعمها المرارة لما أنبتت شيئا فهذه حجتهم وأما الذي له لون ولا طعم له فهي النار ولونها الحمرة واحتجوا على ذلك بالنار التي تجذب من قرع جسمين أو من البرق وقالوا إن كان يختلف لون تلك النار التي نراها في الجو عن حد الحمرة الحقيقي التي تكون للنار بزيادة قليلة أو نقصان قليل على قدر الجسم الذي رئي فيه لون النار فالحمرة أقرب الألوان إليها وأما الذي لا طعم له ولا لون وهو قابل للألوان والطعوم فهو الهواء لأنه يقبل من الألوان الأضداد كالبياض والسواد وما بينهما وبتوسطه بين الشيء الذي له طعم وبين الذوق يعرف الطعم
فتركنا الإخبار عن هذه الأركان وحالاتها لأنا لم نقصد في هذا الموضع للاستقصاء عنها ولولا حاجتنا إلى ذكر هذا فيما يستقبل لم نذكره
فأما الأخلاط الأربعة المركبة فهي المرة الصفراء والدم والبلغم والمرة السوداء وكل الأوائل مجمعون على أن لكل واحد من هذه الأخلاط الأربعة طبيعة وخاصية ولون وطعم فأما ألوانها فإنها تدرك بالبصر وأما طعومها فإنما تدرك بالذوق وأما طبائعها التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فإنهم زعموا أنها تدرك باللون أو بالطعم أو بالمماسة فأما خاصية الأشياء فإنما تدرك بأفاعيلها التي تظهر في الوقت الذي يقرب فيه بعض الأشياء من بعض أو يماس بعضها بعضا فأما المرة الصفراء فلونها لون النار وطعمها المرارة وطبيعتها الحرارة واليبوسة وخاصيتها الحرارة وفعلها الإحراق وهذا موافق لطبيعة النار وخاصيتها وأما الدم فلونه الحمرة ومذاقته حلوة وطبيعته الحرارة والرطوبة وخاصيته الرطوبة وفعله أنه منبت منشئ للأشياء وهذا موافق لطبيعة الهواء وخاصيته وأما البلغم فلونه البياض وطعمه الملوحة وطبيعته البرودة والرطوبة وخاصيته البرودة وفعله أنه يغذي الأشياء وهذا موافق لطبيعة الماء وخاصيته وأما المرة السوداء فلونها الغبرة والكمودة وطعمها الحموضة وطبيعتها البرودة واليبوسة وخاصيتها اليبوسة وفعلها إمساك الأشياء وهذا موافق لطبيعة الأرض وخاصيتها فهذا ما ذكروا من طبائع الأركان والأخلاط
صفحہ 360