أصل هذا الضعف في البناء العائلى عندنا يرجع إلى أسباب متعددة، من أقواها ما نعاني اليوم من تعدد الزوجات والطلاق، وما أحسب إنسانا يتردد مطلقا في القول بأن وجود زوجتين لرجل واحد كلاهما أم تحب أبناءها يخلق بين الأبناء وآبائهم أو بين الإخوة فيما بينهم من خير مطلقا، وإني أؤكد للقارئ أني أعرف أشخاصا هم أكبر إخوانهم أعطتهم الصدفة من الحظ أن وجدوا بعيدا عن عائلاتهم هم ومن أصغر منهم، وأوحى لهم عقلهم أن يجاهدوا ما استطاعوا لمحو كل ما من شأنه أن يعد فرقا بين إخوتهم الأشقاء وبين الآخرين، وعملوا لذلك كثيرا، ومع ذلك وبعد أن حسبوا أنهم أفلحوا إذا حوادث صغيرة أثارت خلافا ظهر لهم من خلاله مبلغ خطئهم، وأنه لا تزال الفروق توجد، ويعد الصغير أحد أخوته أحب إليه لا لشيء آخر إلا لأنه أخوه شقيقه.
هذه نتيجة مؤلمة ولكنها الواقع، وأكثر منها إيلاما ما أعرف كذلك عن كثيرين شكوا إلي مر الشكوى مما تثيره زوج أبيهم بينهم وبين هذا الأب من الخلاف حتى لتحمله أحيانا على إرسالهم على وجههم يبتغون رزقهم من غير ما رحمة ولا حنان.
وأشد إيلاما وأوقع في النفس حال أبناء المطلقة، يا لشقائهم! لا يجدون في الشتاء القارس مبيتا عند أحد، والزوجة الجديدة أو الزوجات الأخريات مع أبنائهن في الكن والدفء، يسير ابن المطلقة البائس وسط صحن الدار يقرسه البرد، حتى إذا ما كده الألم غلبه النوم فيلجأ إلى جانب من جوانب الدار يتخذ مخدة تحت رأسه عتبة قاعة من القاعات أو قالبا من الطوب، أو يلجأون إلى غرفة الخدم، هذا في الأرياف وما أدري ما شأن البائس المشرد تحت سماء القاهرة.
وليس أحسن حظا من ابن المطلقة الباقي مع أبيه ابن المرأة المكروهة من زوجها التي تثير في نفسه لكل مقابلة لها معه من القسوة والحقد ما يجعله الأسد الضاري المفترس.
يجب من أجل سعادة العائلة أن يكون بين الرجل وزوجته شيء من الحب، أو على الأقل شبه الحب، وهل يتيسر ذلك مع تعدد الزوجات، كذلك لا بد أن يشعر الابن في أعماق نفسه بالصلة الكبيرة بينه وبين آبائه، يجب أن يحس أن هناك بينهم شيء آخر سوى أنهم ينفقون عليه ويقدمون له أسباب معيشته، إن هناك رابطة قوية بين أبويه وإخوته وبنيه، وإن هؤلاء الذين يعيشون معه تحت سماء واحدة أيام صغره ليسوا أفرادا أوجدتهم الصدفة، فهم كغيرهم بالنسبة له، ولا هم مضايقات أرسلت بها الطبيعة لتفسد عليه حياته، ولكنهم أهله الذين يحبونه ويسرون معه ويتألمون لألمه، وهل ذلك ممكن مع حالنا التي وصفنا؟
إذا كانت السعادة غير ممكنة مع هذه الحال فأي لذة ترانا نجد في بقائها، أو أي قوة ترغمنا على هذا البقاء؟ لم نتمسك بها ولا نبحث عما هو خير منها؟ هل ذلك تعلق منا بالحاضر؟
يقول أقوام: بالله لقد جربت علينا أشياء كثيرة في مسائل الحكومة والإدارة ولم تنجح فلنقنع بما عندنا فيها وفي غيرها. ويقول آخرون: إن المساواة بين الرجل والمرأة لم تجرب بعد في أمة من الأمم فلا نجربها نحن. ويتبع هؤلاء من يقول: كذلك كل شيء لم يجرب عند غيرنا أحرى بنا أن ننتظر فيه الغير. وعار على الأمة كل ما يقولون، هل قضي علينا قضاء أخيرا أن نكون أذنابا لكل الأمم؟ أم نحن من قصر النظر وضعف النفس بحيث لا نستطيع سوى تقليد غيرنا.
أكرر أن لنا ماضيا يجب أن نحتفظ به ونبني عليه حتى يكون سيرنا أكيدا ومعقولا، وأن نستمر في البناء مقدمين غير متهيبين؛ فإن الأمم مجموع أجيال على قرون من الزمان عديدة، ونسيان الحاضر الماضي جريا وراء أقوام غيرنا قتل لقوى وملكات، وفصم للسلسلة المتتابعة بين الأجيال، كما أن الرضى بالحاضر والتماوت عليه وقوف في حين يمشي العالم وجمود غير مغتفر، فإذا صدق ما نطلب من التقدم وإذا كنا ككل الناس مدفوعين بطبيعتنا للسير إلى الأمام فلنسر من غير ما تخوف ولا وجل.
وإذا كنا نسارع إلى إصلاح الممكن إصلاحه فها هي العائلة تئن وتضج، ومظهرها وحده يستدعي الرحمة فلنسارع لإصلاحها، وإصلاحها إن لم يكن بالأمر السهل فما هو كذلك بمستحيل.
8
نامعلوم صفحہ