156

مذكرات الشباب

مذكرات الشباب

اصناف

يقال إن العرب قبل الإسلام كانوا إذا أرادوا الطلاق أدارت المرأة وجهة بيتها فجعلت الباب بدل أن يكون شرقيا غربيا مثلا (وهذا سهل بالطبع في بيوت الشعر) فمتى رجع الرجل ورأى ذلك علم أن قد انتهت العلاقة بينه وبين زوجته، وما أحسبها كان تأخذ هذا العناء قبل أن تفكر في الأمر وتصمم عليه، وإذا اتفق أن ساقها طيشها إلى البدء فيه فإنها في أثناء العمل تتروى في المسألة وترجع إلى صوابها، وإن أحوج الأمر ردت البيت إلى أصله، والتشريع في كل الدنيا يسير إلى الإمام لا إلى الوراء ويزيد في حرية الناس ولا ينقص منها.

وليت التشريع الذي عندنا وقف عند الحد الذي ذكرنا، بل إن فيه سوى هذا مضحكات مبكيات فيما يختص بالطلاق والزواج، يقف عليها من كلف نفسه عناء مراجعة أي كتاب من كتب الفقه ولو أصغرها حجما، أو ما كتبه أقلام مفكرين اضطروا بحكم الوسط والحال التي وجدوا أنفسهم فيها لتسطير أشياء لو أنهم جلسوا بعيدا عن بلدهم وعن التفكير العام فيها لخجلوا من تسطيرها.

وإني موقن أن ليس في بلدنا مفكر إلا هو آس آسف على كثير مما في قوانيننا، كما لا أحسب أحدا يظن مجرد ظن في الدفاع عن فكرة وقوع الطلاق من غير نية، وأن أعمالنا اليومية من أكبرها إلى أصغرها لدرس غير صغير يعلمنا أنما الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى.

بل الذي أعتقده أن كثيرين عندنا ممن خصصوا أنفسهم لدرس شيء غير القانون لا يعرفون أن الطلاق يقع بلا نية، وكيف يدور ذلك بخلدهم وأن القانون إلا تقرير ما يفهمه العقل، وتوحي به المنفعة وكل قانون لم يتوفر فيه هذان الشرطان قانون فاسد، وإنهم ليدهشون متى علموا ذلك، ويزيد دهشتهم إذا رأوا أن من الناس من لا يزال يجول بخاطره أن يدافع عن أمر غير معقول.

هذا الشيء الخطير - الطلاق - يكاد يكون الشيء الوحيد الذي ينفذ على الإنسان ولو لم ينوه، ولو قاله مخطئا أو ناسيا، وما سواه يستلزم النية، أشياء كثيرة جدا في قانون العقوبات متى فقدت شرط النية سقط العقاب عن مرتكبها، فإذا فرضنا فرضا غير معقول من أن الطلاق عقوبة نصبها على رأس الرجل، فما أصل جريمته التي تعاقبه من أجلها؟ ثم أي شيء يوجب اشتراك المرأة فيها حتى تقع هي الأخرى تحت طائلة العقاب؟ والأبناء - إن كان ثمت أبناء - ما ذنبهم؟

قلبت ما استطعت أمام نظري علي أجد مبررا لوقوع الطلاق من غير نية، فرجعت من تعبي بخفي حنين، رجعت خجلا أن نبقى السنين الطوال - إن لم يكن القرون - تحت حكم قانون غير معقول ونحن به راضون ولأحكامه خاضعون، وعدنا من الشراح من يعلق عليه الشروح الطوال وينتحل لبقائه أعذارا هو أعلم مني أنها واهية، رجعت وقد علمت أن لا سبيل لإصلاح خطأ الماضي إلا القضاء عليه وإصدار تشريع جديد يسير مع روح الشرع ويقبله العقل.

5

يجوز للزوج شرعا أن يؤدب زوجته، فإذا أحوج الأمر أن يضربها أبيح له ذلك على أن يكون الضرب خفيفا، فإذا ما اشتد الخصام بينهما أو رفع الأمر إلى الحاكم فله أن يعين عدلين ويجعلهما حكمين، والأولى أن يكون أحدهما من أهله والآخر من أهلها ليستمعا شكواهما وينظرا بينهما ويسعيا في إصلاح أمرهما، أما إذا اشتكت المرأة نشوز زوجها وضربه إياها ضربا فاحشا ولو بحق وثبت عليه ذلك بالبينة يعذر (راجع المواد 209 و210 و211 من قانون الأحوال الشخصية).

هذا هو الشرع على ما فسره فقهاؤنا، أي أن ليس للمرأة على الرجل من شيء فيما يختص بمعاملته إياها إلا أن لا يضربها ضربا فاحشا، وتقدير فحش الضرب بالطبع يختلف على حسب القضاة، فمنهم من يعتبره كذلك لمجرد ظهور أثر الكرباج على جسمها، وآخرون لا يقتنعون إلا إذا كان من نتيجته كسر ذراعها أو ساقها أو أحد أعضائها، وفيما سوى هذا فلا حق لها في الشكوى.

يحكون عندنا حكاية تفسر ذلك الرأي تفسيرا ظاهرا؛ ذلك أن امرأة اشتكت زوجها للقاضي مدعية عليه سوء معاملتها، فلما سئل الزوج عن ذلك أجاب: اسألها يا سيدنا القاضي: هي جعانة؟

نامعلوم صفحہ