155

مذكرات الشباب

مذكرات الشباب

اصناف

لا يقع الطلاق إلا إذا كان المطلق يريده وينويه وأن يعلم الزوجان به.

وكل طلاق ينقصه أحد هذين الشرطين لا يقع.

قسم الفقهاء العقود إلى عقود يبطلها الهزل وعقود لا يبطلها، وهاته الأخيرة هي النكاح والطلاق والعتاق، فلو فرض أن فتاة خفيفة الروح جلست إلى جانب صديق لها أو ابن عمها يتقاصان الأحاديث ويضحكان، فقالت في ضحكها: (بدي أجوزك يا ابن عمي) وقبل هو، أصبحت زوجته وملك عليها كل ما يملك الرجل على امرأته، كذلك لو في هزل الرجل مع زوجته جرى على لسانه الطلاق طلقت زوجته أو أكره على ذلك وقع طلاقه، وكالطلاق العتق وهو ما لم يبق له أثر بعد زوال رق الأفراد؛ لذلك جاء في المادة (217) فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية ما نصه: (ويقع طلاق كل زوج بالغ عاقل ولو كان ... مكرها أو هازلا.)

وأضاف الأستاذ الشيخ محمد زيد الأبياني في شرح هذه المادة قوله: (وكما يقع طلاق المكره عند أبي حنيفة يقع طلاق المخطئ والناسي فالمخطئ هو الذي يريد أن يتكلم بغير الطلاق فيجري على لسانه الطلاق، والنسيان لا يتصور إلا في فعل الشرط المعلق عليه الطلاق ... إلخ.)

وفي كل هذه الأحوال يقع الطلاق بلا نية.

لما أسند الفقهاء الطلاق للرجل دون المرأة عللوا ذلك تعليلات شتى أكثرها تداولا أن النساء يجزعن غالبا فيتأثرون بأقل مؤثر فيقدمن على الطلاق كثيرا، ولما كان مبنى عقد الزواج الاستمرار طول الحياة أو أكبر زمن ممكن، جعل سبب التخلص منه بيد الرجل؛ لأنه أقدر على نفسه وأكثر كبحا لجماحها، ولا يندفع بالسرعة التي تندفع بها المرأة.

كل هذا كلام حسن ونتائج مبنية على أسباب ما داموا يعتقدونها صحيحة فالنتيجة قوية جدا، ولكن أليس يعد مناقضة نفسهم بنفسهم أن يأتوا بعد ذلك فيقولون يقع الطلاق ولو لم ينوه الرجل أو لو أكره عليه، يقع مادامت تجري حروفه على لسانه، وكان في شخصه قديرا على إيقاع الطلاق، ما أظن أحدا ينكر ذلك مهما أراد الانتصار للمذهب القائم اليوم.

والذي أعتقده أن الذين قالوا الكلام الأول وعللوا ذلك التعليل المعقول، هم غير الذين أصدروا الحكم الثاني، وقليل من البحث يكشف الغطاء عن هذه الحقيقة، ويبدر إلى ذهني أن القائلين بوقوع طلاق المكره والسكران ومن لم ينو الطلاق هم جماعة من يعتقدون أن المرأة لا روح لها وبالتالي فلا قيمة لها، ومن لا روح له ولا قيمة له بقاؤه وعدمه سيان، خصوصا وأن الرجل يستطيع أن يضم إلى بيته من النسوة أربعا ومن الموالي ما شاء.

هل بقي من أحد يقول بهذا الرأي اليوم ويعد نفسه إنسانا عاقلا؟ هل في بلادنا من يرى هذا الرأي فيظهره لنا ويجهر به ويقيم على قوله أدلته؟ أحسب الناس أصبحوا أعقل بكثير من هذا، والزمان الذي يبين كل يوم عن جديد كشف عن أن المرأة إنسان مثل الرجل تحس وتتألم وتفكر وتعيش.

من أجل أن يتم الإنسان أصغر الأعمال قيمة نراه يطيل التفكير والتقدير، ويستشير معارفه وذوي الخبرة فيما يريد عمله، وينتظر اليوم وغدا وإلى شهر حتى يقلب الموضوع في رأسه على مختلف وجوهه، ويقدم ويحجم ويكاد يكون انتهى من كل شيء، ثم إذا هو أعاد الكرة وبحث من جديد، فإذا ما وثق من عمله أتمه بكل تحرز وتحفظ، وإن تعلق هذا العمل بغيره دارت بينهما مكاتبات ومناقشات وجرى بينهما رسل ومتكلمون، أفنجعل نحن الطلاق مستهانا بأمره بحيث يقع لشيء وللا شيء، وسواء فكر الرجل فيه أو لم يفكر وأراده أو لم يرده وعلمت به زوجته أو لم تعلم نجعله ألعوبة وأضحوكة.

نامعلوم صفحہ