التفت إليه بنظرة بسيطة، وتتلاقى عيني وعينه، فيلتفت إليهن قائلا بلهجة جدية: هكذا فليكن حب الوطن، هكذا نعشق الحرية، فلتحيا السيدة المصرية، وهو فيه معنى لمظاهرة إلا إذا كان فيها سيدات، وبالأخص أنتم. - مرسي، كتر خيرك، إلا جنازة الشهداء النهارده أو بكرة؟ - لا بكرة، تحبوا تتفرجوا؟
فترد عليه الأخرى قائلة: أيوا بالطبع من العربية في ميدان الأوبرا، مش كده يا أبلة؟
فيجيبها حضرته بكل برود، وبدون أن يلاحظ وجودي «ويستذوق»: عربية إيه؟ ليه قلة الراحة؟ أنا عندي عيادة حكيم صاحبي، اتفضلوا هناك تتفرجوا على كيفكم، وتقدروا تشربوا كباية مية نضيفة على الأقل. - طيب وهي الجنازة إمتى؟ - بكرة، وأنا أنتظركم في ميدان الأزهار الساعة ... موافقين؟ - رأيك إيه يا أختي؟ فاضية بكرة ولا لأ هئ هئ؟
فتجيبها الأخرى: بتضحكي على إيه! أيوه فاضية.
وهكذا تسدل الستار على ميعاد يفتخر بالحصول عليه بين إخوانه، كأنما حل مشكلة علمية أو نال شهادة دراسية، أو اخترع ما يفيد العلم، هذه الجبلات التي تنادي ليحيا الاستقلال التام، وهي تستحق الموت الزؤام، لا يمكن الخلاص منها بسهولة، فهي في منزلة الجرب والسل والسرطان في الطب، وفي مكان إنكلترا في مسائل الاحتلال والحماية والاستعمار في الدول.
اللهم احفظنا وإياكم من كابوس الرذالة وقلة التربية والأدب، وامنح كل كاتب في هذه البلد قوة يدق بها على رءوس أولئك الخارقين لحرمة الشريعة والقانون ليرجعهم إلى حظيرة النظام. وفي الوقت نفسه أدعو الله أن يهدي الجنس اللطيف، ويمنحه الرزانة والثبات؛ لأن الفرد منا مهما كان مؤدبا عاقلا تزينه آداب الدين والدنيا، فإن لفتة من لفتاتكن تخرجه عن دائرة الحشمة والوقار.
منحكن الله مع الحياء زينة الأدب، وأتم نعمته علينا برعاية دين ينهى عن الخبيث، ويحبب الطيب، وأبقاكم جميعا في خير يا زبائن.
المخلص حنفي
المذكرة الخامسة عشر
الموت نقاد على كفه «عربات» يختار منها «الجياد»
نامعلوم صفحہ