معجز أحمد
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
اصناف
بلاغت
يقول: إن الأيام والليالي تخافك وتطيعك، فلو نهيتها عن المرور عليك والاجتياز بك، لما اجتازت بك، أي لو أمرت الدهر أن يقف لوقف!!
حسبك الله؛ ما تضل عن الح ... ق وما يهتدي إليك أثام
الأثام: هو الإثم. وقد يكون بمعنى العقوبة.
يقول: دعاء له. الله كافيك، فإنك لا تزول عن الحق، ولا يهتدي إليك الإثم.
لم لا تحذر العواقب في غي ... ر الدنايا؟ أو ما عليك حرام!
الدنايا: جمع دنية، وهي كل فعل مذموم. قوله: أو ما قيل: بمعنى الذي: يعني أنك لا تحذر عاقبة شيء إلا عاقبة الأفعال الدنية، وعاقبة الذي عليك حرام. فلم لا تحذر عواقب غير هذين من الجود والإقدام، كا تحذر عاقبة الدنية والحرام. وقيل: إن ما نفى ومعناه: ليس عليك شيء حرام في الدنيا ممنوع عنك، فإنك تقدر على كل شيء، إلا على الدنايا.
كم حبيبٍ لا عذر للوم فيه ... لك فيه من التقى لوام
يقول: كم حبيب لك، لو واصلته لما لامك أحد فيه، فلم يمنعك عن مواصلته إلا التقى. وقيل: معناه كم فعل محبوب، لو فعلته فلا سبيل للوم عليك فيه، لكونه مباحًا، غير أنك تجتنبه للتقى، فكأن لك من التقى لائم.
رفعت قدرك النزاهة عنه ... وثنت قلبك المساعي الجسام
يقول: رفعت النزاهة والعفة قدرك عن هذا الحبيب، وصرفت قلبك مساعيك العظام واشتغالك بها.
إن بعضًا من القريض هذاءٌ ... ليس شيئًا، وبعضه أحكام
روى هراء وهذاء.
يقول: إن الشعر بعضه هذيان، وكلام لا معنى له، وبعضه حكمة وصواب. وهذا مأخوذ من قوله ﷺ: " إن من الشعر لحكما " أي يحكم على الإنسان، ويسمه سمة الخير والشر منه.
منه ما يجلب البراعة، والفضل ... ومنه ما يجلب البرسام
البراعة: الفصاحة. والبرسام: بالسريانية، ورم الصدر؛ لأن البر: الصدر، والسام: الورم. وهو داء يكثر فيه الهذيان. وهذا تأكيد للمعنى الذي ذكر في البيت الأول. أي بعض الشعر يكون من الفصاحة وبعضه من البرسام.
فحمله على فرسٍ وسأله المقام عنده فقال يعتذر عن تعجله في الرحيل:
لا تنكرن رحيلي عنك في عجلٍ ... فإنني لرحيلي غير مختار
وربما فارق الإنسان مهجته ... يوم الوغى غير قالٍ خشية العار
يقول: لا تنكرن رحيلي عنك، فإنني غير مختار لذلك، ومفارقتي إياك بمنزلة مفارقة الإنسان نفسه يوم الحرب؛ فإنه لا يكون مبغضًا لنفسه، وإنما يفعل ذلك لخوف العار، كذلك مفارقتي إياك، ليس لبغضي لك، وإنما هو بمعنىً آخر.
وقد منيت بحسادٍ أحاربهم ... فاجعل نداك عليهم بعض أنصاري
منيت: أي بليت. وقد روى ذلك، وروى: أحاربهم وأحاذرهم أيضًا.
يقول: إني بليت بقوم حساد، أحاربهم وأنازعهم وأطلب قهرهم، فاجعل عطاءك بعض أنصاري عليهم. هذا عذر لمفارقته. وقيل: أراد أن لي حساد يحسدونني عليك، ويحاولون إفساد حالي عندك، فانصرني عليهم بجودك وإحسانك. ونظيره قوله:
أزل حسد الحاد عني بكبتهم ... فأنت الذي صيرتهم لي حسدا
وقال يصف سيره في البوادي وما لقي في أسفاره، ويذم الأعور بن كروس بعد أن رجع من جبل جرش:
عذيري من عذاري من أمور ... سكن جوانحي بدل الخدور
العذير: الذي يقبل العذر، وهو أيضًا كل ما يعذر الرجل على فعله، ومعناه: من يعذرني. والعذارى: جمع عذراء، وهي البكر من النساء وأراد هنا بالعذارى الأمور العظام وجعل الأمور أبكارًا، لأنها لم تهجم على أحد قبله، ولم يحدث في مستقبل الأيام مثلها، ولم يطلبها أحد لصعوبتها. ولما جعلها أبكارًا جعل جوانح صدره لها خدورًا.
يقول: من يعذرني من أمور أبكارٍ هجمت علي وحلت قلبي بدل حلولها في الخدور، ولم تهجم على أحد قبلي؟!
ومبتسمات هيجاوات عصر ... عن الأسياف ليس عن الثغور
هيجاوات: جمع هيجاء، وهي الحرب. وأضاف مبتسمات إليها وهي إضافة الشيىء إلى نفسه.
يقول: من عذيري من حروب تبتسم عن أسياف مجردة مصقوله لا كالنساء اللاتي يتبسمن عن الثغور. شبه صفاء السيوف بصفاء الثغور.
ركبت مشمرًا قدمي إليها ... وكل عذافر قلق الضفور
1 / 143