هذه كلمات جواب عن الشبهة التي احتج بها من أجاز وقف الجنف والإثم ونحن نذكر قبل ذلك صورة المسألة ثم نتكلم على الأدلة وذلك أن السلف اختلفوا في الوقف الذي يراد به وجه الله على غير من يرثه مثل الوقف على الأيتام وصوام رمضان أو المساكين أو أبناء السبيل فقال شريح القاضي وأهل الكوفة لا يصح ذلك الوقف حكاه عنهم الإمام أحمد وقال جهور أهل العلم هذا وقف صحيح واحتجوا بحجج صحيحة صريحة ترد قول أهل الكوفة فهذه الحجج التي ذكرها أهل العلم يحتجون بها على علماء أهل الكوفة مثل قوله صدقة جارية ومثل وقف عمر أوقاف أهل المقدرة من احصابة على جهات البر التي أمر الله بها ورسوله ليس فيها تغيير لحدود الله وأما مسألتنا فهي إذا أراد الإنسان أن يقسم ماله على هواه وفر من قسمة الله وتمرد عن دين الله مثل أن يريد أن امرأته لا ترث من هذا النخل ولا تأكل منه إلا حياة عينها أو يريد أن يزيد بعض أولاده على بعض فرارا من وصية الله بالعدل أو يريد أن يحرم نسل البناء أو يريد أن يحرم على ورثته بيع هذا العقار لئلا يفتقروا بعده ويفتي له بعض المفتين أن هذه البدعة الملعونة صدقة بر تقرب إلى الله ويوقف على هذا الوجه قاصدا وجه الله فهذه مسألتنا فتأمل هذا بشر أشر قلبك ثم تأمل ما نذكره من الأدلة فنقول من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر تغيير شرع الله ودينه والتحيل على ذلك بالتقرب إليه وذلك مثل أوقافنا هذه إذا أراد أن يحرم من أعطاه الله من امرأة أو امرأة ابن أو نسل بنات أو غير ذلك أو يعطي من حرمه الله أو يزيد أحدا عما فرض الله أو يتقصد من ذلك ويريد التقرب إلى اله بذلك مع كونه مبعدا عن الله فالأدلة على بطلان هذا الوقف وعوده طائعا وقسمه على قسم الله ورسوله أكثر من أن تحصر ولكن من أوضحها دليل واحد وهو أن يقال المدعي الصحة رذا كنت تدعي أن هذا مما يحبه الله ورسوله وفعله أفضل من تركه وهو داخل فيما حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة الجارية وغير ذلك فمعلوم أن الإنسان مجبول على حبه لولده وإيثاره على غيره حتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى
ﵟأنما أموالكم وأولادكم فتنةﵞ
فإذا شرع الله لهم أن يوقفوا أموالهم على أولادهم ويزيدوا من شاءوا أو يحرموا النساء والعصبة ونسل البنات فلأي شيء لم يفعل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأي شيء لم يفعله التابعون ولأي شيء لم يفعله الأئمة الأربعة وغيرهم أتراهم رغبوا عن الأعمال الصالحة ولم يحبوا أولادهم وآثروا البعيد عليهم وعلى العمل الصالح ورغب في ذلك أهل القرن الثاني عشر أم تراهم خفي عليهم حكم هذه المسألة ولم يعلموها حتى ظهر هؤلاء فعلموها سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه فإن ادعى أحد من الصحابة فعلوا هذا الوقف فهذا عين الكذب والبهتان والدليل على هذا أن هذا الذي تتبع الكتب وحرص على الأدلة لم يجد إلا ما ذكره ونحن نتكلم على ما ذكره فأما حديث أبي هريرة الذي فيه صدقة جارية فهذا حق وأهل العلم استدلوا به على ما أنكر الوقف على اليتيم وابن السبيل والمساجد ونحن أنكرنا على من غير حدود الله وتقرب بما لم يشرعه ولو فهم الصحابة وأهل العلم هذا الوقف من هذا الحديث لبادروا إليه وأما حديث عمر أنه تصدق بالأرض علي الفقراء والرقاب والضعيف وذوي القربى وأبناء السبيل فهذا بعينه من أبين الأدلة على مسألتنا وذلك أن من احتج على الوقف على الأولاد ليس له حجة إلا هذا الحديث لأن عمر قال لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف وإن حفصة وليته ثم وليه عبد الله بن عمر فاحتجوا بأكل حفصة وأخيها دون بقية الورثة وهذه الحجة من أبطل الحجج وقد بينه الشيخ الموفق رحمه الله والشارح وذكروا أن أكل الولي ليس زيادة على غيره وإنما ذلك أجرة عمله كما كان في زماننا هذا يقول صاحب الضحية لوليها الجلد والأكارع ففي هذا دليل من جهتين
الأولى أن من وقف من الصحابة مثل عمر وغيره لم يوقفوا عى ورثتهم ولو كان خيرا لبدروا إليه وهذا المصحح لم يصحح بقوله ثم أذناك فأدناك فإذا كان واقف عمر على أولاده أفضل من الفبراء وأبناء السبيل فما باله لم يوقف عليهم أتظنه اختار المفضلون وترك الفاضل أم تظن أنه هو ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي أمره لم يفهما حكم الله
صفحہ 80