واعلم أن هذه الفضائل المحصورة في فن نظري، وفي فن عملي، يحصل كل واحد منها على وجهين: أحدهما بتعلم بشريّ وتكلف اختياري، يحتاج فيه إلى زمان وتدرب وممارسة، وتقوي الفضيلة في شيئًا فشيئًا خفي التدريج، كتدريج الشخص في النمو، وإن كان في الناس من يكفيه أدنى ممارسة، وذلك بحسب الذكاء والبلادة. والثاني يحصل بجود إلهيّ، نحو أن يولد الإنسان، فيصير بغير معلم عالمًا، كعيسى بن مريم ويحيى بن زكريا، وكذا سائر الأنبياء الذين حصل لهم من الاحاطة بحقائق الأمور، ما لم يحصل لطلاب العلم بالتعلم. وقيل: إن ذلك قد يحصل أيضًا لغير الأنبياء، وهم الذين يعبر عنهم بالأولياء. وهذا الآن رزق لا يمكن اكتسابه بالجهد، فمن حرم ذلك، فليجتهد أن يكون من الفريق الثاني، وليعلم نزول رتبته عن رتبة أولئك، " فليس التكحل في العينين كالكحل ". ولا ينبغي أن تستبعد أن يكون بالطبع في مبدأ الفطرة من العلوم ما يحصل بالجهد والاكتساب، كما يكون ذلك في الأخلاق. فرب صبي صادق اللهجة سخيّ جريء،
1 / 257