ثم لا يكفي في نيل السعادة استلذاذ الطاعة، واستكراه المعصية في زمان دون زمان، بل ينبغي أن يكون ذلك على الدوام في جملة العمر. وكلما كان العمر أطول كانت الفضيلة أرسخ وأكمل. ولذلك لما سئل ﵇ عن السعادة، قال: " طول العمر في طاعة الله ". ولذلك كره الأنبياء والأولياء الموت، فإن الدنيا مزرعة للآخرة. وكلما كانت العبادات أكثر بطول العمر، كان الثواب أكثر، والنفس أزكى وأطهر، وكمالها أتم، وابتهاج صاحبها بجمالها عند التجرد عن علائق البدن أشد وأوفر. وذلك إذا تنبه عن نومه الذي أغفله عن إدراك حال نفسه، من جمال يبتهج به، أو خزي وخيال يفتضح به، وذلك التنبه بإطراح الشواغل. فالناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا. فهذه مجامع الفضائل، وغايتها أن تصدر منه الفضائل أبدًا بغير فكر وروية وتعب، ويطلع على الحق بغير تعب طويل، حتى كأنه يصدر منه، وهو في غفلته كالصانع الحاذق في الخياطة والكتابة. وغاية الرذالة أن ترشح منه الرذائل بغير تكلف ولا فكر ولا روية.
1 / 256