وهذا أيضًا إذا صح، فلا يوجب فتورًا في الطلب، بل يوجب زيادة الجد. وإلى هذا ذهبت الصوفية والإلهيون من الفلاسفة من عند آخرهم، حتى أن مشايخ الصوفية صرّحوا ولم يتحاشوا، وقالوا: من يعبد الله لطلب الجنة أو للحذر من النار فهو لئيم. وإنما مطلب القاصدين إلى الله أمر أشرف من هذا. ومن رأى مشايخهم وبحث عن معتقداتهم وتصفح كتب المصنّفين منهم، فهم هذا الاعتقاد من مجاري أحوالهم على القطع.
وفرقة رابعة وهم جماهير من الحمقى، لا يُعرفون بأسمائهم ولا يعدون في زمرة النظار، ذهبوا إلى أن الموت عدم محض، وإن الطاعة والمعصية لا عاقبة لهما، ويرجع الإنسان بعد موته إلى العدم، كما كان قبل وجوده. وهؤلاء لا يحل تسميتهم فرقة، فإن الفرقة عبارة عن جمع، وليس هذا مذهب جمع، ولا منسوبًا إلى ناظر معروف، بل هو معتقد أحمق بطّال غلبت عليه شهوته، واستولى عليه شيطانه، فلم يقدر على قمع هواه، ولم تسمح له رعونته بأن يعترف بالعجز عن مقاومة الهوى، فيتعلل لنقصانه بأن ذلك واجب وأنه الحق. ثم أحبّ أن يساعده غيره، فدعا إلى البطالة وما جلبت عليه النفس من اتباع الهوى الذي هو أشد حامل للأحمق على المسارعة إلى التصديق به، لا سيما وقد يحتال بعض الفسقة بنسبة
1 / 185