وأما القوة العالمة النظرية التي سنذكرها فهي لها بالقياس إلى الجنبة التي فوقها لتفعل وتستفيد منها، أعني بالجنبة الملائكة الموكلة بالنفوس الإنسانية، لإفاضة العلوم عليها، فإن العلوم إنما تحصل فيها من الله تعالى بواسطة. قال الله تعال: (وَمَا كَانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًَا أَو مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَو يُرْسِلَ َسُولًا)، فكأن للنفس منا وجهين: وَجه إلى البدن، ويأبى أن يكون هذا الوجه مستوليًا غير قابل البتة، ولا منفعل عن عوارض البدن وشهواته، ووجه إلى الجنبة الشريفة العالية، ويجب أن يكون هذا الوجه دائم القبول عما هنالك، مستمدًا التأثير فإنها مهبط أسباب سعادته. وهذه القوة النظرية العالمة هي التي من شأنها أن تتلقى المعاني الكلية المجردة عن العوارض التي تجعلها محسوسة جزئية، فما ذكرنا معنى الكلي في كتاب " معيار العلم ".
ثم هذه القوة بالنسبة إلى العلوم التي تحصل فيها على ثلاث مراتب. أولاها كنسبة حال الطفل إلى الكتابة، فإن الطفل فيه قوة للكتابة، ولكن قوة بعيدة من الفعل، فكذا قوة العلم له.
1 / 205