وقد كان نبينا محمد (- صلى الله عليه وسلم -) خاتم النبيين، والمرسلين، وناسخا لجميع شرائعهم، وكان رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) واحدا أرسله إلى الجن والإنس كافة، وقامت الحجة به على جميعهم.
وإنما موصى: سأل ربه أن يرسل معه أخاه هارون وزيرا، وكان موسى هو الرسول إليهم، والحجة عليهم؛ لأنه لا تقوم الحجة على فرعون إلا باثنتين.
فالعالم المحقق حجة الله فيما أفتي به من دين الله، وليس لأحد أن يجهل حجة الله؛ إذا قامت عليه، فإذا كان العالم الواحد حجة الله فيما يسع جهله على من قام به: فهو الحجة، وإن لم يكن الواحد حجة، فالاثنان ليسا بحجة، وكذلك الأربعة، والجماعة إلى ما لا يحصى.
لأن العالمين إذا اختلفا في الدين لم يكونا - جميعا - بعالمين محقين، ولم يكن بدلوا أحد منهما أن يكون هالكا في الدين، كاذبا على رب العالمين في عقول السامعين؛ لاختلافهما من العالمين والجاهلين، لأن الحق في الدين لا يكون إلا مع واحد من المعبرين.
فلا يجوز أن يطلب معه غيره فيما يصح في العقول، أنه لابد من أحد أمرين: إما أن يقول مثل ما قال بلا زيادة ولا نقصان، وإما أن يقول غير ما قال؛ فيكون مخالفا له في الدين في عقول العالمين، لأن الدين لا يكون أبدا إلا مع واحد من المختلفين، ولا يحتمل في العقول إلا أن يكون أحدهما كاذبا على الله، ويمكن أن يكون أحدهما كاذبا، والآخر صادقا، ولا يمكن أن يكون جميعا صادقين: هذا من المحال.
والدين ما جاء به حكم من الكتاب أو السنة، أو من الإجماع من علماء المسلمين.
فإذا كان القول من العالم بأحد هؤلاء، أو بما يشبه ذلك، أو ما هو مثله، فلا يجوز لغيره أن يقول بخلافه، وهو الصادق على جميع من قال بخلافه؛ ولو خالفه جميع أهل الأرض؛ فهم الكاذبون في أصل الدين الذي أجمع عليه معاشر المسلمين، وجميع أهل الاستقامة من الموحدين.
فصل:
صفحہ 77