وإن كان الحدث مما فيه الاختلاف من المسلمين بولاية فاعله، والبراءة منه، والوقوف عنه، فأجمع العلماء المشاهدون لذلك الحدث علي ولاية محدثة، أو البراءة منه، والوقوف عنه- لم يكن هذا الإجماع منهم مزيلا لحكم ما فيه من الاحتمال، والاختلاف، لأنه قد يجوز أن يكونوا كلهم قد أخذوا بقول من أقاويل المسلمين، إذ ذلك كله جائز لهم من الولاية، والبراءة، والوقوف.
ولكنهم لو أجمعوا علي باطل المحدث، والإنكار عليه، أو صوابه، وحكموا بذلك في حين ما يكون حكاما عليه، وفيه- لم يجز لهم، ولا لعيرهم أن ينقضوا ذلك الحكم الذي قد ثبت منهم، لأن ذلك حجة لمن اتبعه، محكوم بالصواب في اتباعه، فمن ادعي نقضه كان مدعيا علي متبعيه، فمن غاب عليه سريرته في إزالته عن صوابه.
وهكذا الحجج، إذا ثبت لم يجز تحويلها عن موضعها إلا بحجج مثلها تنقضها حيث يجوز ذلك.
والإجماع حجة تقطع العذرن وهو توقيف، والقول به واجب، وهو: إجماع الصحابة، فإ...ذا أجمعوا علي شيء وجب التسليم لهم، وإن اختلفوا في شيء وجب علي الناس الرجوع إلي حكم كتاب الله، وسنة نبيه محمد (- صلى الله عليه وسلم -).
والإجماع: هو أحد وجوه الحق. قال النبي (- صلى الله عليه وسلم -): "لا تجتمع أمتي علي ضلال".
والإجماع هو: كل قول أو فعل صح لأمة محمد (- صلى الله عليه وسلم -)، ولا يوجد فيه مخالف منهم.
وقال أكثر أهل العلم: إن أهل العصر، إذا انقرضوا علي الذي أجمعوا عليه كان ذلك شرط صحة الإجماع.
وقول: إذا وقع الإجماع مرة: صار بحجة، وإن لم ينقرض أهل ذلك العصر عليه، وإلي هذا القول: يذهب بعض أهل الرأي.
وقال بعضهم: الأصح عندنا أن الإجماع لا يعلم إلا بانقراض أهل العصر عليه، لأن بعض الصحابة كاد يكون علي قول، ثم يرجع عنه، كما يروي أن علي بن أبي طالب كان موافقا لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في أيامه علي تحريم بيع أمهات الأولاد، ثم رأي جواز بيعهن في أيام خلافته.
صفحہ 62