وقيل: أتي جبرائيل آدم (عليهما السلام)، فقال له: أتي أتيتك بثلاث خصال، فاختر منهن واحدة؛ فقال آدم (عليه السلام): وما هن؟ فقال له جبرائيل (عليه السلام): العقل، والحلم، والإيمان، فقال آدم (عليه السلام): قد اخترت العقل، فقال جبرائيل (عليه السلام) للحلم، والإيمان: انصرفا؛ فقد اختار عليكما العقل، فقالا: أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.
وقال وهب بن منبه: قرأت اثنين وسبعين كتابا؛ فوجدت في جميعها أن الله تبارك وتعالي لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل رسول الله (صلي الله عليه وسلم)؛ إلا كحبة رمل بين رمال، وأن محمدا نبينا (صلي الله عليه وسلم) أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا، وكان يقول (صلي الله عليه وسلم ): "أمرني ربي أن أكلم الناس على قدر عقولهم"، ورأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس.
وقال بعض العجم: أفضل ما يؤتي المرء عقل يولد معه، قال: فإن عدم العقل؛ فأدب يعيش به، وإن حرم الأدب فمال يستر به عورته، وإن حرم المال فجائحة لا تبقي له نسلا.
وقال أنوشروان لبز رجمهر: أي الأشياء خير للمراء؟ قال: عقل يعيش به، قال : فإن لم يكن له عقل؟ قال: فإخوان يسترون عورته، قال: فإن لم يكن؟ قال: فمال يتحجب به إلى الناس، قال: فإن لم يكن؟ قال: فعي صامت، قال: فإن لم يكن؟ قال: فموت جارف.
وقال النبي (صلي الله عليه وسلم): "أفضل الناس أعقل الناس"، وقال: "سيد الناس أعقلهم"، وقال: "لكل شئ معدن، ومعادن التقوى قلوب العاقلين"، وقال: "لو صور العقل لأظلمت معه الشمس؛ ولو صور الجهل لأضاء معه الليل".
وقيل: إذا تم العقل نقص الكلام، وقيل: كل شئ إذا كثر رخص إلا العقل؛ فإنه إذا كثر غلا، وقيل: إن عقول كل أمة على قدر زمانهم، عن النبي (صلي الله عليه وسلم): ما انتقصت جارحة في ابن آدم إلا كانت ذكاء في عقله.
فصل:
والعقل رأس الفضائل، وينبوع الأدب.
صفحہ 49