317

منهاج المتقين في علم الكلام

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

القول في المتولدات

المتولد، هو الفعل الموجود بواسطة موجبة، كالعلم الحاصل بواسطة النظر والألم الحاصل بواسطة التفريق والمبتدأ، يقابله وهما يرفان، فإن المسبب والسبب في اغلب الأحوال ويفارقان المباشر والمتعدي مفارقة الأعم للأخص؛ لأن المباشر هو الموجود في محل القدرة عليه والمتعدي، هو الموجود في غير محلها بواسطة فعل في محلها، فكل متعد متولد ولا عكس، وكل مباشر مبتدأ بحسب الخلاف بين الشيوخ، ولا عكس، والحاصل أنه يعتبر في المباشر والمتعدي محل القدرة، فلا يصح إطلاقهما على أفعاله تعالى؛ لأنها كلها مخترعة.

فصل

والأسباب المولدة ثلاثة، وهي الاعتماد والكون والنظر، والمسببات ستة، فالاعتماد يولد ثلاثة اعتمادا مثله، وكونا وصوتا، والكون يولد الألم وما هو من جنسه، والتأليف والنظر يولد العلم، وكلما كان سببا صح أن يكون مسببا إلا النظر، وكلما يصح من الله تعالى متولدا يصح منه مبتدأ، وكذلك من الواحد منا إلا في الألم والتأليف والصوت فإنا لا نفعلها إلا متولدة.

فصل

وقد ذهب أبو علي إلى أن الله تعالى لا يفعل بسبب، ويبطله ما نعلم أن كثيرا من أفعاله تعالى واقع بحسب غيره كسير السفينة وحركة الرحى عند قوة الريح، والماء ونحو ذلك.

وبالجملة فالأسباب تولد لما هي عليه، إلا لأحوال الفاعلين فلا يختلف باختلافهم، ألا ترى أن الاعتماد يولد لاختصاصه بالجهة، فمتى وجد ولد لا محالة إذا لم يكن مانع، ولا يقف توليده على اختيار مختار، وكذلك التفريق يولد الألم في بدن الحي لا محالة إذا انتفت الصحة، فإذا ولدت هذه الأسباب وهي من فعلنا ولدت وهي من فعل الله أيضا لولا ذلك لجاز أن يولد إذا فعلها زيد، ولا يولد إذا فعلها عمرو، ويولد في المشرق دون المغرب، وخلافه معلوم.

شبهة: إنه كان يلزم أن يكون الله تعالى محتاجا إلى السبب.

صفحہ 323