من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
اصناف
يرى ابن رشد أن الحق يدفع الشعور التأملي نحو الحق، ومهمة الشعور الإدراك المباشر والرؤية عن قرب؛ لذلك عجز القدماء عن إدراك سبب كثرة الموجودات من قبل الهيولى حتى مع نظرية أنكساغورش عن الخليط. وإذا كان التفسير الأولي للهيولى ينكر الوجود فإن التفسير الثاني لها يجعلها جوهرا ماديا محسوسا فيتقضى على الكليات. ويشير هنا لأول مرة ويخصص قدماء المشائين. وقال آخرون بدوام الكون مما اضطرهم إلى إنزال أشياء موجودة بالفعل غير متناهية كما فعل أنكساجوراس وهو محال. وينقد أرسطو من ينكر القوة في الموجودات.
ويظهر إعادة تركيب تاريخ الفلسفة اليونانية على التصور الإسلامي الموروث وتعشيق الثنائية اليونانية على التصور الديني التقليدي، والحكم بالموروث على الوافد. فقد لزم أنبادقليس والقدماء شناعة جعلت الله أقل علما من البشر لأن المعرفة عندهم تكون بالشبيه، الأرض بالأرض، والماء بالماء، والمحبة بالمحبة، والغلبة بالغلبة، قياسا على ما في الإنسان. ولما كان الله خاليا من الغلبة فإنه لا يعرف الغلبة فيكون أقل علما من جميع الموجودات.
100
وعلاقة القدماء بالمحدثين مثل علاقة الآباء بالأبناء، علاقة الجيل السابق بالجيل اللاحق، ومن الطبيعي أن يكون هناك تفاوت بين الاثنين . إنما السؤال في مسار التقدم . عند أرسطو المحدثون أفضل من القدماء، والأواخر أكثر علما من الأوائل. فهناك تقدم في التاريخ من هوميروس إلى أرسطو، ومن الأسطورة إلى العقل، ومن اليونان إلى المسلمين، وهو الموقف الذي ظهر في علم الأصول في رفض تقليد الأنا وضرورة إعمال الاجتهاد. فالمسيحية تمثل تقدما بالنسبة لليهودية، والإسلام يمثل تقدما بالنسبة للاثنين. وهذا هو معنى تطور النبوة، أن اللاحق يمثل اكتمالا للسابق. وقد أخذ علم أصول الدين الموقف المضاد، أن الأوائل خير من الأواخر، وأن المتقدمين أفضل من المتأخرين، وأن الصحابة أفضل من التابعين، وأن السلف خير من الخلف، وهو الموقف السلفي بوجه عام.
101
التقابل بين المتقدمين والمحدثين هو تقدم بين جيلين وتيارين ومذهبين مما يكشف عن تطور الفكر اليوناني وسياقه التاريخي. قد يكون المحدثون بالنسبة لأرسطو هو أفلاطون وأرسطو في مقابل المتقدمين وهم الفلاسفة السابقين على سقراط. المحدثون مثاليون والقدماء طبيعيون، وكأن تقدم الفكر اليوناني من الاتجاه الطبيعي إلى الاتجاه المثالي.
102
أما المتأخرون فهو لفظ عام يشير إلى الفلاسفة والسابقين على أرسطو القائلين بوجود جواهر أول أقدم من محرك الكل. أما تعبير القدماء الأول فربما تعبير عام لا دلالة خاصة له مثل القدماء الذين لم يقفوا على تلك الأشياء في مقابل أرسطو الذي حقق ذلك. أما لفظ الأوائل فإنه يعني عند ابن رشد اليونان، فلاسفة وشراحا، في مقابل الأواخر وهم الأشاعرة. فالأوائل يقولون بامتناع خروج شيء من الأسماء على عكس الأشاعرة. كما أن الأوائل قد أجمعوا على وجود القوة والفعل.
103
وربما يقصد ابن رشد بالمتقدمين أو الأقدمين جدا الكلدانيين في مقابل القدماء وهم الفلاسفة مثل أرسطو، الشرق القديم في مقابل الغرب القديم مثل الشرق الحديث الآن في مقابل الغرب الحديث. فقد قال الأقدمون جدا أقوالا تجري مجرى الألغاز على عادة الشرقيين، إن الأجرام السماوية آلهة، وإنها تحيط بجميع الأشياء التي توجد بالطبع. وقد أراد القدماء بالآلهة تلك الجواهر، فقد وجدت الفلسفة وفسدت مرات لا نهاية لها كما حدث في سائر الصنائع. فقد تبين بالبرهان من أمر هذه المبادئ. فكل كائن فاسد وكل فاسد كائن يدور بالنوع مرارا لا نهاية لها.
نامعلوم صفحہ