من حي إلى ميت: إلى أخي
من حي إلى ميت: إلى أخي
اصناف
وأما من يشعر بوطأة الحزن القاتل - وشعوره أدبي بحت - فماذا يكون دواؤه؟
يقولون: إن أنجع الأدوية الصبر وتناسي المصيبة، وأما أنا فأقول مناقضا: إن الحزن دواؤه الناجع التعمق في الحزن، والمصيبة دواؤها الشافي التفكر في المصيبة.
كنت قبل أن فقدتك يا أخي لا أغشي المدافن دون أن أشعر برهبة وانقباض في نفسي، وأما اليوم فقد زال جزع الموت عني، وأصبحت أشعر بارتياح كلي حينما أرافق جنازة إلى مقرها الأخير، وأقف خاشعا بين القبور متأملا بقايا أناس كانوا مثلي ممتلئين صحة وحياة، فأمسوا في ضمير التراب ترابا.
إن القبور تلقي علي وعلى الأحياء جميعهم عظة لا لغة لها، ولكنها من أبلغ المواعظ، يفهمها الناس على اختلاف لغاتهم وأجناسهم.
تلك هي عظة الموت - عظة الرجوع إلى أحضان أمنا الطبيعة.
يا أخي:
إن الحزن الشديد الذي استحوذ علي من جراء فقدك بدلا من أن يضيرني وينهك قواي - كما كان منتظرا - أصبح لي مفيدا جد الفائدة؛ لأنه أيقظ حواسي، وروض ذهني، ووهبني مناعة روحية ليس فوقها مناعة، فأمسيت أقوى على احتمال مكاره الحياة، مهما كان خطبها جسيما وألمها عظيما.
لم أنتصر على الحزن إلا بعد أن دخلت صميمه، فعندئذ بان لي أن الرجل الذي يدركه اليأس هو ذاك الذي يريد أن يهرب من الحزن فيقتله الحزن.
وأما الرجل الذي يستقبل خطبه غير هائب، ويستوعب حزنه غير واجل، فهو ذاك الذي يوجد لنفسه من الخطب راحة، ومن الحزن حياة.
وأنا هو ذلك الرجل.
نامعلوم صفحہ