من حي إلى ميت: إلى أخي
من حي إلى ميت: إلى أخي
اصناف
يا أخي
حياة المرحوم أخي
الرسالة الأولى1
الرسالة الثانية1
الرسالة الثالثة1
الرسالة الرابعة1
الرسالة الخامسة1
الرسالة السادسة1
الرسالة السابعة1
الرسالة الثامنة1
نامعلوم صفحہ
الرسالة التاسعة1
الرسالة العاشرة1
الرسالة الحادية عشرة1
الرسالة الثانية عشرة1
الرسالة الثالثة عشرة1
الرسالة الرابعة عشرة1
الرسالة الخامسة عشرة1
الرسالة السادسة عشرة1
الرسالة السابعة عشرة1
الرسالة الثامنة عشرة1
نامعلوم صفحہ
الرسالة التاسعة عشرة1
الرسالة العشرون1
الرسالة الواحدة والعشرون1
الرسالة الثانية والعشرون1
الرسالة الثالثة والعشرون1
الرسالة الرابعة والعشرون1
الرسالة الخامسة والعشرون1
الرسالة السادسة والعشرون1
الرسالة السابعة والعشرون1
الرسالة الثامنة والعشرون1
نامعلوم صفحہ
الرسالة التاسعة والعشرون1
الرسالة الثلاثون1
الرسالة الواحدة والثلاثون1
الرسالة الثانية والثلاثون1
الرسالة الثالثة والثلاثون1
الرسالة الرابعة والثلاثون1
الرسالة الخامسة والثلاثون1
الرسالة السادسة والثلاثون1
الرسالة السابعة والثلاثون1
الرسالة الثامنة والثلاثون1
نامعلوم صفحہ
الرسالة التاسعة والثلاثون1
الرسالة الأربعون1
الرسالة الواحدة والأربعون1
الرسالة الثانية والأربعون1
الرسالة الثالثة والأربعون1
المراثي
يا أخي
حياة المرحوم أخي
الرسالة الأولى1
الرسالة الثانية1
نامعلوم صفحہ
الرسالة الثالثة1
الرسالة الرابعة1
الرسالة الخامسة1
الرسالة السادسة1
الرسالة السابعة1
الرسالة الثامنة1
الرسالة التاسعة1
الرسالة العاشرة1
الرسالة الحادية عشرة1
الرسالة الثانية عشرة1
نامعلوم صفحہ
الرسالة الثالثة عشرة1
الرسالة الرابعة عشرة1
الرسالة الخامسة عشرة1
الرسالة السادسة عشرة1
الرسالة السابعة عشرة1
الرسالة الثامنة عشرة1
الرسالة التاسعة عشرة1
الرسالة العشرون1
الرسالة الواحدة والعشرون1
الرسالة الثانية والعشرون1
نامعلوم صفحہ
الرسالة الثالثة والعشرون1
الرسالة الرابعة والعشرون1
الرسالة الخامسة والعشرون1
الرسالة السادسة والعشرون1
الرسالة السابعة والعشرون1
الرسالة الثامنة والعشرون1
الرسالة التاسعة والعشرون1
الرسالة الثلاثون1
الرسالة الواحدة والثلاثون1
الرسالة الثانية والثلاثون1
نامعلوم صفحہ
الرسالة الثالثة والثلاثون1
الرسالة الرابعة والثلاثون1
الرسالة الخامسة والثلاثون1
الرسالة السادسة والثلاثون1
الرسالة السابعة والثلاثون1
الرسالة الثامنة والثلاثون1
الرسالة التاسعة والثلاثون1
الرسالة الأربعون1
الرسالة الواحدة والأربعون1
الرسالة الثانية والأربعون1
نامعلوم صفحہ
الرسالة الثالثة والأربعون1
المراثي
من حي إلى ميت
من حي إلى ميت
إلى أخي
تأليف
توفيق حسن الشرتوني
كتبها المؤلف إلى روح المرحوم أخيه طانيوس المنتقل إلى رحمته تعالى في عاصمة المكسيك نهار الخميس الواقع في 6 حزيران سنة 1929 الساعة الأولى، والدقيقة الخامسة بعد الظهر.
يا أخي
أخاطبك الآن مبتدئا بهذه الكلمات التي كتبتها على بطاقة نعيك، ووضعتها في تابوتك ضمن زجاجة مختومة.
نامعلوم صفحہ
ووالدك الحزين، وأخوك المقصوص الجناح، وعقيلة أخيك، وشقيقتاك وولدي: رفيق وسلوى، كلهم يستمطرون على ضريحك الرحمة والرضوان، ويحملون في قلوبهم اسمك الطاهر المقرون بالعفة والوداعة ورقة الشعور.
فسلام الله عليك، وعلى الوالدة التي طوتها الأرض، كما طوتك الآن شابا في ميعان الشباب وزهوة العمر.
أخوك الحزين
توفيق
مكسيكو في 6 حزيران سنة 1929
رسم المؤلف توفيق حسن نادر الشرتوني.
رسم المرحوم طانيوس حسن نادر الشرتوني وهو في الحادية عشرة من عمره.
آخر رسم للمرحوم طانيوس حسن نادر الشرتوني وهو في الثامنة والعشرين من العمر.
حياة المرحوم أخي
طانيوس حسن نادر الشرتوني
نامعلوم صفحہ
مولده وحداثته
أبصر المرحوم أخي طانيوس النور في مدينة ليوبولدينا، من أعمال ولاية ميناس، التابعة لجمهورية البرازيل في الساعة السابعة من صباح الثلاثاء، الواقع في اليوم السابع من شهر آب سنة 1900.
وقد أخبرني أبي بأن الوالدة مرضت مرضا عضالا حينما كانت حاملا به، ولم تحصل على الشفاء التام إلا بعد ولادته، وربما كان هذا المرض قد أثر على مستقبل صحته.
وفي السنة الثالثة من عمره، جيء به من البرازيل إلى لبنان برفقة والديه، وعاش في البيت الأبوي في مسقط رأسنا شرتون، البلدة الواقعة في الجرد الجنوبي من قضاء الشوف.
كان - رحمه الله - العزيز الغالي على والديه وشقيقه وشقيقتيه؛ لأنه صغير العيلة، وكنارها المغرد، وحسونها الجميل.
في المدرسة
دخل مدرسة القرية في السنة السابعة من عمره، ولم أزل أذكر أن الوالدة كانت تأخذه إليها بنفسها كل يوم، وكثيرا ما حملته، لفرط حبها له.
وقد تعلم أصول القراءة والكتابة بسرعة فائقة، وأحب المدرسة حبا جما؛ حتى إنه لم يبرحها بلا سبب يوما واحدا.
حينما بلغ الحادية عشرة من عمره مرض بالحمى «التيفوس»، فاشتدت وطأتها عليه، وأوشكت أن تودي بحياته، ولكنه عوفي منها بعد عناء طويل، وعادت إليه صحته.
في عامه الثاني عشر دخل مدرسة الحكمة المارونية، وأظهر رغبة عظيمة في تحصيل العلم، واجتهادا خارقا في مثابرته على دروسه، وذكاء وقادا، وقوة كبرى في حافظته.
نامعلوم صفحہ
ولكنه لسوء الحظ لم يقم في مدرسة الحكمة إلا سنتين وبعض أشهر؛ لاستعار الحرب الكونية، وإقفال أبواب المدرسة في وجه طلابها.
ترك المدرسة مرغما في أواخر سنة 1914، وعاد إلى شرتون، ولشدة رغبته في العلم، كان أحيانا يؤم الصرح البطريركي الكاثوليكي في عين تراز؛ ليدرس على بعض الرهبان الأفاضل، ويتعلم منهم، ويمارس معهم التكلم باللغة الإفرنسية.
أقام مدة الحرب الكونية في البيت الأبوي، وبئس الذكرى ذكرى تلك الحرب المشئومة، التي كانت وبالا على لبنان وعلى الإنسانية جمعاء.
ولقد أخبرني أحد الثقات بأن أخي كان في ذلك الحين - رغما من صغره - يحنو على الفقراء ويؤاتيهم ، وكان يذهب بنفسه ويحمل قطعة من الخبز وصحفة من الحساء لجارة أنهكها المرض والجوع، وأقعداها عن العمل.
وحدثتني إحدى النسيبات أيضا - وهي لم تزل في قيد الحياة وقد عضها الجوع بنابه في أيام الحرب - بأن أخي كان دائما يزودها ببعض الأغذية لأولادها، ويعطيها كل ما تطلب منه.
نزوحه إلى المكسيك
عند انتهاء الحرب العالمية، كتب إلي إلى المكسيك بأنه يود السفر إلى حيث أنا نازل، أو الرجوع إلى المدرسة، فأجبته مشيرا عليه بأن يعود لإتمام دروسه، ثم خيرته بين طلب العلم أو السفر.
فأجابني مؤثرا السفر، وهذا ما قاله في إحدى رسائله:
يا أخي:
لا أرى بعد هذا السن من مسوغ للعودة إلى المدرسة؛ لأن موعد النزول إلى ساحة العالم قد حان، والعالم هو المدرسة الكبرى لمن بلغوا سني، وفضلا عن ذلك، كن على ثقة بأني سأساعدك في أشغالك مساعدة فعالة، وأتعلم منك ومن الناس الذين أعاشرهم ما ينقصني من العلم، هذه هي مقاصدي، سأقوم بها إن شاء المولى الكريم.
نامعلوم صفحہ
وقد قام بها فعلا خير قيام - رحمه الله.
في منتصف شهر آب من سنة 1919 غادر أخي لبنان قاصدا المكسيك، مرافقا لابن العم داود سليم الشرتوني.
وصل إلى العاصمة مكسيكو في أواخر شهر أيلول من تلك السنة، وكان عمره وقتئذ تسع عشرة سنة، وأما يوم التقائي به، فكان أبهج يوم عرفته في حياتي، كما أن يوم وفاته كان أشأم أيام عمري.
حياته التجارية
شرع منذ وصوله يشتغل معي في محلنا التجاري، ولم يمض عليه شهر واحد حتى أصبح يجيد التكلم باللغة الأسبانية، ويعرف البضائع الكثيرة المختلفة الأنواع والأشكال بأسمائها وأسعارها، فجعلته شريك النصف معي فورا دون أن أدقق في اختباره؛ لأني لم أر حاجة إلى ذلك، بحيث وجدته من أفضل الرجال سيرة وسريرة، ومن أنقاهم يدا، وأعفهم لسانا، ومن أكثرهم ثباتا في العمل، وأرجحهم في العقل وحسن التدبير.
وفاة الوالدة في الوطن وشدة التياعه عليها
في أوائل آذار من سنة 1923 تلقينا عن الوطن كتابا من الوالد الجليل، ينعي إلينا والدتنا الحنون ، التي اخترمتها المنية في 8 شباط من تلك السنة المشئومة، فوقع خبر وفاتها علينا وقع الصاعقة، خصوصا على أخي، الذي كان يحب أمه حبا يقرب من العبادة، ولا أزال أذكر أنه مرض مرضا شديدا من جراء فقدها، وشدة حزنه عليها، زد على ذلك، بقي كل حياته بعدها يردد هذه العبارة: «لقد ودعت صفو العيش بعدك يا أماه.»
عودتي إلى الوطن، وإظهار مقدرته ونبوغه
في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول سنة 1923 غادرت المكسيك، قاصدا لبنان، إجابة لطلب الوالد الحنون، فودعت أخي بعد أن ألقيت على عاتقه مقاليد الأشغال كلها، فأخذ يدير بنفسه محلنا التجاري، ومعاملنا الواسعة، التي كانت تحوي ما يزيد على مائة وخمسين عاملا بدقة ونظام عجيب، مع كونه في ذلك الحين كان لم يتجاوز بعد الثالثة والعشرين ربيعا.
فشهد له المواطنون والأجانب بطول الباع في الإدارة، وحدة الذكاء، والثبات النادر في تسيير الأشغال التجارية على أحسن ما يرام، حتى أصبح ممدوحا بكل شفة ولسان، ومعدودا من أقدر رجال الأعمال، وأحسنهم تدبيرا بالنسبة إلى صغر سنه واقتداره.
نامعلوم صفحہ
رجوعي إلى المكسيك مصحوبا بعيلتي
في أوائل نيسان من سنة 1928 تلقيت كتابا من النسيب خليل أسعد نادر الذي كان مستخدما في محلنا التجاري، يلح علي بالعودة إلى المكسيك؛ لأن أخي معتل الصحة، لا يستطيع القيام بأعباء أشغالنا. ثم استلمت تحريرا من أخي ينبئني بأن الأطباء الذين فحصوه مدققا اتفقت كلمتهم على شفائه قريبا.
وأما أنا فلم يعد يهنأ لي عيش في بيروت، فودعت الوالد الحنون، وأبحرت إلى المكسيك في 16 نيسان سنة 1928 مصحوبا بعقيلتي وولدنا رفيق، الذي كان عمره حين ذاك سبعة أشهر لا غير.
وصلنا إلى مكسيكو في سبعة حزيران من السنة المذكورة، وكان استقبال أخي لنا استقبالا حافلا، وسروره بالتقائه بنا عظيما للغاية، وأما فرحه بولدنا رفيق كان لا يحد ولا يوصف، وهكذا كانت محبته له ولشقيقته سلوى، التي ولدت في مكسيكو.
كان - رحمه الله - يعطف عليهما كثيرا، ويرمقهما دائما بحنانه، وقد جاء على ذكرهما مرارا في ساعته الأخيرة.
بعد بضعة أيام من وصولنا ذهبت وإياه نستشير بعض نطس الأطباء عن صحته، وبعد أن فحصوه فحصا مدققا، ارتأوا أن يذهب إلى بلدة تواكان من أعمال ولاية بدابلا لأجل تغيير الهواء، والتماس الراحة التامة من عناء الأشغال، فذهب حالا مصحوبا بصديقه الحبيب ابن خالته عزيز، وبقي هناك شهرا كاملا، ثم عاد إلى العاصمة متمتعا بالصحة التامة.
مرضه الأخير - وفاته
في غرة شهر حزيران سنة 1929 شعر أخي برشح بسيط، فأعطاه طبيب العيلة مسهلا، وفي اليوم الثاني نزل إلى المحل التجاري، وقضى طيلة نهاره يشتغل فرحا مسرورا، لا يعلم ماذا تخبئ له الأقدار؛ لأنه أصبح في اليوم الثالث من شهر حزيران محموما، فجاء حالا طبيب العيلة، وبعد أن فحصه أشار علينا بوضع ممرضة له، ثم قال بأن مرضه بسيط جدا، وسيشفى قبل انتهاء الأسبوع.
وفي منتصف ليلة خامس حزيران طلبني إلى سريره، فذهبت إليه، ثم تبعني الطبيب، وبعض الأقارب الذين جاءوا للسؤال عنه؛ ولتمضية السهرة عندنا، فجلس في فراشه، وأخذ يودعني، ويودع الحاضرين قائلا لي: إن قوة إلهية أوحت إليه بأنه غدا يموت، مع كونه كان يتقدم إلى الصحة، فأخذنا نمازحه، ولم نعبأ بكلامه.
وفي اليوم الثاني - أعني في 6 حزيران - دهته نوبة قلبية أودت بحياته، فقضى مبكيا على شبابه وحميد خلاله، ليس فقط من أهله وذويه، بل من كل من عرفه، وسمع به.
نامعلوم صفحہ
وفي اليوم السابع من شهر حزيران سير بنعشه إلى المدفن الإفرنسي باحتفال مهيب، مشت وراءه الجالية اللبنانية السورية بأسرها، وشيعه جمهور غفير من المكسيكيين، وكبار رجال الأعمال الأجانب.
صفاته ورجاحة عقله وحبه للعلم
كان - رحمه الله رحمة واسعة - صادقا، أبي النفس، حرا، عفيفا، طاهر الذيل، لم يسئ إلى أحد في حياته.
وكان ذا عقل راجح، وأفكار سامية، ومبادئ قويمة.
وكان يحب العلم محبة عظيمة، ولو أمد الله بعمره لترك التجارة وانصرف بكليته لاقتباسه؛ لأنه صرح لي بهذا مرارا، وكان يقول دائما بأن أفضل الناس العلماء؛ لأنهم يضحون بنفوسهم لفائدة سواهم، وأما رجال المال فلا يضحون من أجل الناس بشيء مذكور بالنسبة إلى أولئك.
أسكنه الله فسيح جناته، وألهمنا من بعده الصبر الجميل.
الرسالة الأولى1
يا جناحي الوحيد
يا أخي:
منذ تسعة أشهر اخترمتك المنون يا أخي، وحتى الآن لم أقدر أن أكتب كلمة واحدة في رثائك.
نامعلوم صفحہ
إن الحزن الشديد الذي استحوذ علي من جراء فقدك قد أجهز على دماغي، وجعله مشتتا لا يقوى على التعبير عن شدة انفعالي، وتأثري لموتك.
يا جناحي الوحيد: كنت أؤمل أنك ترافقني في الحياة، وتغمض جفني عند الممات، وتكون عضدا لولدي؛ لما بيني وبينك من تفاوت في السن، ولكن الموت الذي لا يرحم كبيرا ولا صغيرا، قد قصف جناحي، ودك معالم آمالي وأحلامي.
إن دمعي الذي ينهمر عفوا عند ذكراك لهو أبلغ من قلمي في التعبير عن آلامي الجسدية، وجناني الذي يختلج اختلاجا عند التأمل بك لهو أفصح من لساني في وصف هواجسي النفسانية.
يا أخي:
يتجدد شجني كلما فكرت بأن الطبيعة كانت قاسية عليك؛ لأنها أردتك قبل أن يحمل ورد شبابك زهرا، وغصن حياتك ثمرا.
إن حكمها - وايم الحق - هو حكم القوة على الضعف، حكم يشمل في هذا الكون كل ذي الحياة.
إلى اللقاء يا أخي، إلى حيث تتجدد الأرواح والأجساد.
الرسالة الثانية1
أين أنت يا أخي؟
في صباحي ومسائي أسألك يا أخي، أين أنت؟!
نامعلوم صفحہ
سؤال مبتذل وجهه قبلي ملايين من الأحياء إلى ملايين من الأموات، ولم يجابوا.
لعمري يستحيل علينا - نحن الأحياء - مخاطبة الأموات؛ لأننا نجهل سر الموت.
وأما أنتم - أيها المنتقلون إلى رحمة الله، الذين امتحنوا الحياتين وعرفوا الدارين - لماذا لا ترشدونا إلى داركم، ولا ترسموا لنا سبل مناجاتكم، وكيفية الوصول إلى مخاطبتكم؟
ألا تحنون إلينا، كما نحن إليكم؟!
يا أخي:
لا أسألك الآن عن جثمانك، لأني أعلم أنه عاد إلى التراب الذي جبل منه، ولكني أطلب منك علما، أين هو ذلك الوجدان الذي كان يحوي رجاحة عقلك وسلامة ضميرك؟!
وأين هي تلك الشواعر الرقيقة التي كانت ترافقك في حياتك؟! وبكلمة وجيزة: أين هو ذلك الجوهر الذي كان ينير ذهنك، ويقودك إلى الصراط القويم؟!
إن جوهرك لم يمت يا أخي، فكما كنت حيا في الجوهر قبل أن ولدتك أمك، هكذا أنت لم تزل حيا بعد موتك.
ولكني لا أدري أين أنت؟!
يا أخي:
نامعلوم صفحہ
إذا لم تشأ مخاطبتي، وأنا مستملك حواسي، زرني في الليل ساعة رقادي، واكشف لي عن جوهر ذاتك، وعلمني كيف أناجيك.
انزع - إن استطعت - هذا الحائط الكثيف القائم سدا منيعا بين عالمك وعالمي، ثم تجل علي بروحك، وهبني معرفة الآخرة، وحقيقة الحياة بعد الموت.
أشرف لحظة من كوة سمائك، وقل لي - على الأقل - أين أنت؟
الرسالة الثالثة1
على فراش الموت
يا أخي:
إن قلبك الذي كان متغلبا على كل مصاعب الحياة ومساوئها، عجز عن مغالبة الداء الذي تغلغل في أحشائك، واستولى في مدة وجيزة على أسوار حياتك.
جاءك الموت على غرة، وانتزعك انتزاعا من أحضان أخيك؛ لأن الداء الذي انتابك لم يمهلك إلا ثلاثة أيام، وقد ظنه الأطباء عارضا بسيطا فكان قاتلا.
إنه - لعمري - كان داء خفيا، والأطباء في الأمراض الخفية يخبطون خبط عشواء، فكم مرة يداوون الكبد، والداء في المفاصل! ويعالجون الرئة، والداء في القلب!
ولهذا السبب لا أدري؛ هل استعجل موتك الطبيب في سوء طبابته، أو الضربة كانت قاضية عليك؟
نامعلوم صفحہ
يا أخي:
في إبان مرضك لم تظهر ضعفا ولا انتهاكا؛ ولهذا السبب لم يدر في خلدي قط أنك على خطر، وأما أنت فكنت عارفا مصيرك؛ لأنك ودعتني في مسائك الأخير، وفهت أمامي بكلمات خالدات سأدونها لذكراك في تحاريري الآتية.
اعذرني يا أخي، حيث لم أعر وداعك انتباها؛ لأني حسبته وداع خائف على نفسه، لا وداع رجل متثبت من حقيقة أمره.
يا أخي:
أتمثلك دائما على فراش الموت، أتمثل شبابك الذاوي، الذي كان مثالا للجد والنشاط والحركة الدائمة، كيف أصبح من جراء الموت معدما خامدا؟!
أنا متعطش لمرآك، ولاستماع صوتك العذب، أفتش عنك في كل مكان، ولكن بلا جدوى، وأسأل هذه الطبيعة الجائرة: أين انتثرت ذرات جسدك؟!
تلك الذرات الحية التي كان مجموعها أنت.
أين ذهبت تلك الجواهر التي لا يقوى الموت على إبادتها ؟! هل اتخذ النسيم والماء العذب بعضها؟ وتوزع البعض الآخر بين الأزهار والأثمار والنبات؟
فإذا كان الأمر هكذا، فأنت إذن يا أخي في النسيم والماء، وفي الزهر والثمر، وفي كل مكان.
إن برد النسيم يحضن برد قلبك، وصفاء الماء يحمل صفاء ذهنك، وجمال الأزهار تنشر جمال خلقك وخلقك، وشذا الرياحين تعلن شذا أخلاقك وطيب أدبك، ولذة الأثمار تحوي طلاوة معشرك ولذة حديثك.
نامعلوم صفحہ