وتعجبها الحلية الثمينة في معارض الصاغة، وتتشهاها، وتتخيلها لامعة تتضوأ على نحرها أو في معصمها، وتبيت تحلم باليوم الذي تكون فيه لها؛ فإذا ملكتها وزينت نحرها ومعصمها بدا لها من عيوبها ما لم تكن ترى، فتروح قائلة: لو كانت كذا لكانت أحسن، ولو لم تكن كذلك لكانت أتم وأكمل ...!
ومن أين لشيء في الدنيا الكمال التام والحسن المطلق ...؟
كانت هذه خليقتها المتصرفة بها فيما جل ودق من حياتها، فلكل شيء ميزانه الذي يوزن به في نفسه ولها ميزانها؛ وعرف زوجها ذلك من طباعها فإنه ليراجع نفسه ألف مرة قبل أن يشتري شيئا لها أو للدار، مخافة أن تعيبه أو تتهمه في حكمه؛ فإنه ليحمل راضيا تهمتها له بالتقصير، ولا يطيق أن يحمل معابتها لما يشتري ولما يصنع!
ذلك شأنه وشأنها، وإن له لسلطانا وأمرا نافذا، فكيف شأنها وشأن الخدم؟
كم خادما اصطنعت في هذه الدار منذ كان لها ولزوجها دار؟
إنها لتكاد تنسى أسماءهن ووجوههن، فإنهن لأكثر عددا مما تذكر؛ وما أقامت معها خادم شهرين إلا على كره ومضض؛ أذلك من عيب الخدم أم من عيب السيدة؟
ألا إن الخادم خادم وإن نشأت في بيت الإمارة؛ وإن عيوب الخدم لتكاد تذكر في تاريخنا الاجتماعي منذ أجيال؛ أفلا تكون السيدة سيدة ...؟ ... هذه خادم قد خرجت إلى السوق لشأن من أمر الدار، وبينها وبين السوق خطوات، فلم تعد إلا بعد ساعة! - أين كنت ...؟ ولماذا غبت ...؟ وكيف سمحت ...؟ - يا سيدتي، هذا شأن الخدم!
ولكن السيدة لا تسمح ولا تعفو؛ فالدار في ثورة تؤج، ومعركة تضج؛ والسيد والسيدة والخادم في جحيم! ... وهذه خادم قد ذهبت تهيئ الطعام، فكفأت القدر، وحطمت الوعاء، وأشعلت النار! - كيف صنعت ...؟ ولماذا فعلت ...؟ - يا سيدتي ...!
ولكن السيدة على كثرة ما تنفق لا تكاد تنسى القدر المكفوءة، والوعاء المحطم، والنار التي اشتعلت؛ ويمضي السيد يومه طاوي البطن جوعان، والسيدة والخادم في عراك! ... وهذه خادم تذهب تسأل عن موعد القطار، فلا تعود إلا بعد ميعاد القطار! ... وتذهب هذه لتعود بالصغيرة من المدرسة ، فتعود الصغيرة قبل أن تعود الخادم! ... ويبقى للبدال نصف قرش فلا تنبه سيدتها إلى «دينها» حتى يدق البدال جرس الباب! ... ويقف الضيف بباب الدار يتململ قبل أن تجيب سؤاله ليدخل أو ينصرف!
أذلك شيء في هذه الدار وحدها أم هو في كل دار؟ ... وضاقت أخلاق السيدة «إنصاف»، فما لها صبر ولا طاقة، فاصطنعت لها أسلوبا في تأديب الخدم ...
نامعلوم صفحہ