وتغشتها الذكرى فأطرقت وفي قلبها عواطف تصطرع، ثم رفعت رأسها وقالت وهي تبتسم: أتريد يا سامي ...؟ إنني أفضل أن نجلس على مقعد خشبي على شاطئ النيل، في شارع مسبيرو، ثم نعود ...!
وضحك سامي دهشا وهو يقول: على مقعد خشبي؟ في شارع مسبيرو؟ يا لها فكرة! بربك لماذا؟ وأي خاطر ألهمك؟
قالت وفي عينيها بريق وفي صوتها حنان وفي أعطافها نشوة: تسألني لماذا؟ لأنك كنت معي هناك ... حيث التقينا أول مرة في خطرة فكر وخفقة قلب، وكنت وحدي هناك ولكني كنت معك ...!
همام
عندما يهم قطار الصعيد أن يجتاز النيل من شاطئ إلى شاطئ عند قناطر نجع حمادي في طريقه إلى القاهرة، يرى الراكب عن يمينه قرية صغيرة يطيف بها الجبل الشرقي من ثلاث جهات، ثم ينفرج عن سكة متعرجة تصل بين القرية والنهر، وتقوم على جوانبها باسقات النخيل حدا فاصلا بينها وبين الصحراء الشاسعة الممتدة بين النيل والبحر الأحمر.
في هذه القرية كان يعيش «همام» يكدح لنفسه ولزوجه عاملا في مزرعة العمدة، كما يعيش عشرات مثله، قانعين من العيش بالكفاف، راضين من متاع الحياة بنعمة الحياة نفسها!
ولكن هماما لم يكن من القناعة بحيث يرضى من الحياة بما يرضى به سواد الفلاحين الذين يعملون معه أجراء في مزرعة العمدة؛ فقد كانت له نفس طلعة تتسامى بها أماني جسام، وكان من المنزلة عند سيده بحيث يتهيأ له أن يكون أقرب إليه؛ فرأى ألوانا من العيش وفنونا من اللذة خيلت له ما خيلت من الأوهام وأنشأت في نفسه ما أنشأت من المنى.
ولم يكن قد مضى على زواجه ب «مسعدة» غير بضعة أشهر حين جلس إليها ذات مساء يحدثها وتستمع إليه: «مسعدة ...! وسيكون لنا دار ونخيل، ومزرعة على الساحل إلى جانب مزرعة العمدة، وسأكون وتكونين ...!»
واستمعت إليه زوجته فرحانة، وحلقت بجناحيه في وادي المنى، وراحت تعد له عدة الرحيل إلى القاهرة حيث يهاجر ليلتمس الغنى ثم يعود ...
وخرج همام من القرية يحمل على كتفه خرجا فيه زاده ومتاعه حتى بلغ شاطئ النهر، وخلف زوجته في القرية تنتظر، وكان ثمة رمث من جرار مشدودة عنقا إلى عنق يتأهب لرحلة نهرية إلى القاهرة، فوضع همام متاعه عن كاهله واتخذه مركبا إلى حيث ينشد أمانيه.
نامعلوم صفحہ