عقیدہ سے انقلاب تک (3): انصاف
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
اصناف
203
وما دامت القدرة حادثة وليست خالقة، وما دام الفعل لا يتم إلا بقدرة خارجية أخرى، فلماذا لا يريد الإنسان تحريك الجبال ولا تأتي القدرة الخارجية لخلق الفعل فيه وتهيئة الكسب له؟ لماذا تأتي القدرة الخارجية في بعض أفعال الخاصة بالطاعة والعصيان المدني دون البعض الآخر الخاصة بالطبيعة والكون؟ أليس من شيمة المؤله المشخص الكرم والجود واللطف؟ ألا يعطي العون ويهب التوفيق؟ يدل ذلك على أن قدرة الإنسان تؤثر في مداها وحسب الطاقة لا أقل فتعجز ولا أكثر فتتبخر. وما التفرقة بين حالة الفعل وجهة الفعل وصفة الفعل إلا وسيلة لإفساح المجال لإثبات إرادة خارجية مؤثرة على جهة من جهات الفعل لا على كل الجهات أو في حالة من حالات الفعل لا على كل الحالات، ولكي يلغي كون الإنسان هو المعطي لصفة فعله وجهة حاله أي لنفي استقلال إرادته وفعله. (5)
إن إنكار قدرة الإنسان المحدثة لا بد وأن يؤدي بالضرورة إلى إنكار الصانع؛ لأن إثبات الصانع قائم على إثبات الحدوث، ومنها حدوث القدرة. كيف يمكن إذن إثبات قدرة الله ونفي القدرة الحادثة؟ إذا كان حدوث القدرة نفسه نتيجة لحكم مسبق هو وجود قدرة مطلقة هي قدرة القديم، فإن إثبات قدرة القديم يظل افتراضا في حاجة إلى إثبات.
204
وإن إثبات قدرة المؤله المشخص قبل الخلق وبدون القدرة الحادثة مجرد إثبات من حيث الشرف والقيمة لا من حيث الواقع؛ لأن عواطف التعظيم والإجلال تفرض صفة كاملة له. إن تصور المعبود مالكا لكل شيء وخالقا كل صورة فكر إلهي مركزي من مجتمع منتصر، ولكن من مجتمع مهزوم تكون صورة للقهر أو تعويضا عنه. فما أجمع عليه المؤلهون في مجتمع منتصر أنه مالك لكل شيء قد يجمع عليه المؤلهون في مجتمع يود الانتصار. إن الإنسان هو القادر على كل شيء.
205
هناك فرق بين الفكر في موضوع موجود وبين تخيل حالة غير موجودة ولا سبيل إلى معرفتها ثم إصدار أحكام عقلية عليها. كيف يمكن الحديث مثلا عن حال المؤله المشخص قبل الخلق أو معرفتها؟ إنه ليستحيل التفكير فيها لأن التفكير أصبح ممكنا بعد الخلق وليس قبله. إن الدليل في حقيقته مصادرة على المطلوب لأنه يبدأ بعواطف التعظيم والإجلال التي تشخص مؤلها موجودا قبل الخلق قادرا على كل شيء ثم تنتهي بإثبات نفس المشخص المؤله ونفس القدرة وكأن نقطة البداية هي نفسها نقطة الانتهاء، وكأن الغرض نفسه هو المطلوب إثباته، وكأنه لا فرق بين الخيال والواقع، بين الرأس والقدمين. (6)
ولا يعني خلق الفعل إيجاد الشيء من عدم أو إحداثه، بل تغيير بناء الواقع؛ وبالتالي فإن الجبر والكسب معا يقومان على افتراض خاطر، وهو أن الإنسان إن كان صاحب أفعاله فإنه يكون لها خالقا ومحدثا. وهذا غير صحيح، فالإنسان لا يخلق العالم بل يعمل فيه، ولا يحدث المجتمع بل يغير بناءه. يعني الخلق هنا الأثر لا الشيء الذي يقع عليه الأثر، الخلق هنا هو الخلق المعنوي لا الخلق المادي، الخلق هنا هو خلق أفعال الشعور لا خلق الأشياء في العالم.
206
هناك إذن فرق بين خلق الإنسان للشيء وفعله في العالم. الخلق تفسير لنشأة الكون، والإنسان بفعله لا يدعي أنه يفسر نشأة الكون، بل يغير فقط البناء الاجتماعي للواقع. وهذا هو معنى تأثير القدرة.
نامعلوم صفحہ