عقیدہ سے انقلاب تک (3): انصاف
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
اصناف
22 (1-4) خطورة الجبر
إن الإيهام بالجبر لو نجح أن يتحول إلى عقيدة ليؤدي لا محالة إلى ضياع حرية الأفعال ، وبالتالي القضاء كلية على الإنسان وعلى أحد مظاهر وجوده. كما يؤدي إلى تدمير العالم كلية وهدم قوانينه الثابتة. وكيف يعيش الإنسان بلا إرادة وفي عالم لا يحكمه قانون، وكل شيء فيه خاضع لإرادة مطلقة ومشخصة لا يقوى أمامها شيء سواء قانون الاستحقاق أو قانون الطبيعة؟ كما يجعل الجبر الله مسئولا عن الشرور في العالم، وهو تناقض مع طبيعة الله الخيرة؛ إذ إنه يضيف القبائح إلى الله ويجعله مثل الشيطان مصدرا للشرور، وبالتالي يحال موضوع خلق الأفعال إلى موضوع تنزيه الله عن القبائح أي إلى الحسن والقبح العقليين وما يتعلق بهما من صلاح وأصلح وغائية وقصد. والأخطر من ذلك كله هو تحول الجبر الميتافيزيقي العام إلى عقيدة القضاء والقدرة الخاصة وأثرها في سلوك الأفراد والجماعات، وجعل الناس راضين بهما ومنعهم من القدرة على الحركة والتغير والثورة. ثم ترسخ العقيدة في وجدان الأمة وبالتالي تستمر مرحلة التخلف بكل مظاهره من طغيان داخلي وقهر خارجي وتبعية وانحياز وضياع لاستقلال الأمة وحريتها. ثم توجد أنظمة تسلطية تقوم بالدور نفسه وتتحد مصالحها مع السلطة الدينية فيصبح الجبر الدعامة النظرية للنظم القائمة وتستأصل المعارضة التي تروج لخلق الإنسان لأفعاله باعتبارها ضد الإرادة الإلهية وهي في الحقيقة ضد إرادة السلطان. وما أسهل أن يدافع الإنسان عن الله وحقه المطلق الثابت، ولكن ما أصعب الدفاع عن الإنسان وحقه المهضوم الضائع وعن حقوق الشعوب! ما أسهل الدفاع عن حرية أفعال الله التي لا نزاع فيها! وما أصعب الدفاع عن حرية أفعال الإنسان التي تنكرها كل النظم السياسية ويسقط دفاعا عنها المناضلون والشهداء! جبر الأفعال مزايدة على الله تكشف عن مناقصة في الإنسان. تأخذ بالطريق السهل وتترك الطريق الصعب، تدخل في معركة مكسوبة سلفا اعتمادا على سلطة الدولة وتترك المعركة القائمة بالفعل اعتمادا على حق الشعوب وعلى قوى المعارضة. إن إثبات قدرة الذات المشخصة وإثبات عظمتها بالنسبة لقدرة الإنسان هو إثبات الفيل للنملة أنه قادر على ما هي قادرة عليه. وذلك يقوم على الإيحاء بأن الفيل ليس فيلا بل مجرد وهم والنملة قادرة على الفعل ولا يمنعها الفيل من شيء. والحقيقة أن كل شيء لا يقاس بشيء آخر نسبة بل يقاس في ذاته. فالنملة في عالمها قادرة على السعي والدفاع وجلب الرزق والعمل المشترك. إن النملة قادرة كما تقص الحكايات الشعبية على قهر الفيل؛ فالقدرة الجسمية أحط أنواع القدرة إذا ما قيست بقدرات العقل والحيلة والذكاء. وقد تمكث النملة في أذن الفيل حتى يهج ويقع. وبالتالي ينتهي الجبر إلى عكس ما كان يرمي إليه وهو الدفاع عن التوحيد. فلا هو دافع عن التوحيد نظرا لإثباته أن الفيل أقدر على النملة، ولا هو حافظ على العدل أي على قدرة النملة على العيش والكسب والجد والجهد والدفاع.
الجبر مجرد مزايدة من العاجز عن الفعل وإسناد كل فعل إلى الله. وهو يكشف عن اغتراب الإنسان في العالم وأنه يسقط العالم من الحساب كميدان للفعل. وهو نفاق يحيل العجز قوة، وتعويض بجد في الغير هروبا من الذات، وهو في نهاية الأمر فكر سلطة بغيته تأييد السلطان ضد حقوق الشعوب وأصحاب الحقوق. (2) هل أفعال الشعور الداخلية أفعال جبرية حرة؟
وقد يخفف الجبر قليلا وتقترب أفعال الشعور الداخلية من الأفعال الحرة، وذلك بالتقليل من أسباب الجبر وبواعثه وفي مقدمتها العلم الإلهي المسبق عن طريق التمييز بين العلم الشامل والعلم التفصيلي. فالله يعلم كل المرادات على الجملة لا على التفصيل حيث تتفصل الوقائع وتتحقق كوقائع جزئية متفردة. ففي الجزئيات هناك مكان لحرية الأفعال وليس في الكليات. وعيب هذا الحل أنه يجعل العلم الإلهي منقوصا، ويجوز الجهل على الله، وهو ما ينكره المتكلمون على الفلاسفة واتهامهم لهم من إنكار لعلم الله بالجزئيات. كما أنه يجعل إرادة الله منقوصة بإخراج أفعال البشر من شمولها؛ ومن ثم لا مكان لنقد حرية أفعال العباد. ثم إن الإنسان يبدو حرا ولكن متخفيا متلصصا من تحت الإرادة أو من وراء العلم الإلهي وليس كحق من حقوقه؛ ومن ثم ينتهي هذا الحل بإقلاله من التوحيد والنيل منه وبعدم الوصول إلى العدل كحق إنساني.
23
ويمكن فهم نظرية الكسب أيضا على هذا النحو ولكن على مستوى الإرادة وليس على مستوى العلم؛ إذ يمكن الجمع بين الإرادتين على طريقة الجملة والتفصيل. الله مريد على الجملة والإنسان مريد على التفصيل، ولا تعارض بإخراج تفصيلاتها منها. كما أنه لا ينفي جبرية الأفعال لأن التفصيل ما زال في إطار الجملة أو يثبت حرية الأفعال؛ وبالتالي لا يمكن نقدها. كما أنه يقع في تصور كمي لعلاقة الجملة بالتفصيل وكأن القسمة قد أعطت الله أكثر مما أعطت الإنسان إرضاء لله والإنسان معا مع الاحتفاظ بنسبة الشرف، فالأكثر شرفا يحصل على نصيب أكبر من الأقل شرفا. ويبدو الإنسان أيضا متلصصا بإرادة من تحت الإرادة الإلهية أو من ورائها. وكيف لا يقع جزء من العلم الإلهي أو الإرادة الإلهية؟ وهل الأجزاء والتفصيلات إلا تعينات للكليات والعموميات؟ ألا يطعن غياب الجزء في شرعية الكل؟ ألا يكون الجزء أحيانا أقوى من الكل لأن الكل لا يبدو إلا في الأجزاء؟ فلا التوحيد قد تم الإبقاء عليه، ولا العدل قد تم الوصول إليه.
24
والتفرقة بين الإرادة والرضا أحد الحلول المتوسطة؛ فقد أراد الله ضلال من ضل وشاء كفر من كفر، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر، فما أثبته الله غير ما نفاه ضرورة؛ أثبت الإرادة لكونه والمشيئة لوجوده ونفى الرضى به، وهما معنيان متغايران بنص القرآن وحكم اللغة. والسؤال الآن: هل التفرقة بين الرضا وبين الإرادة ممكنة؟ هل يجوز أن يرضى الله عن فعل لا يريده، أو يريد فعلا لا يرضى عنه؟ إن ذلك تخيل القسمة في الإرادة الإلهية قياسا على الإرادة الإنسانية وتنازع الإنسان بين باعثين. ففي الله هناك تجانس بين الإرادة والرضا؛ فالرضا تعبير عن الإرادة وليس مضادا لها، هذا التباين بين الإرادة والرضا يوقع في تصور منقوص للإرادة باستثناء الرضا منها، كما أنه يجعل الرضا فوق الإرادة مع أنه أحد مظاهرها. فإذا ما أراد الله الكفر ولكنه لا يرضاه فإن ذلك ينقل موضوع خلق الأفعال إلى موضوع الحسن والقبح العقليين وتظل الحاجة ماسة إلى تنزيه الله عن الشرور والقبائح. وإلا فكيف يمكن حل مشكلة ثم الوقوع في مشكلة أعظم؟
25
والعجيب في محاولات التوفيق جعل الأفعال الحسنة من الله والأفعال القبيحة من الإنسان! وكأن الله له الخير والإنسان له الشر «وتلك قسمة ضيزى». وهي نظرة ثنائية تجعل الفعل له فاعلان، فاعل للخير وفاعل للشر، تعطي الأول لله والثاني للإنسان، تجعل الله مسئولا عن نصف أفعال الإنسان والإنسان مسئولا عن نصف أفعال الله؛ فلا هي أعطت كل شيء لله حفاظا على التوحيد، ولا هي أعطت كل شيء للإنسان حفاظا على العدل؛ فضاع التوحيد والعدل معا. كما أنها تضع الإنسان على نفس المستوى مع الله في مسئولية كليهما عن الأفعال، وكأن الإنسان على نفس المستوى مع الله في مسئولية كليهما عن الأفعال، وكأن الإنسان شريك لله والله شريك للإنسان، وكأنهما قرينان، إما إقلالا لله نزولا حتى الإنسان أو إعلاء للإنسان صعودا حتى الله. وهي نظرة تقوم على التطهر، وتجعل أفضل قسم في الإنسان هو الله، وأسوأ قسم فيه هو الإنسان. وهي نظرة بطولية تجعل الإنسان مسئولا عن الشر وحده والله مسئولا عن الخير وحده، اتهاما للذات وتبرئة للغير؛ نظرة سوداوية تجعل الإنسان مسئولا عن القبح وكأنه لا يفعل إلا القبيح، تقوم على تعذيب الذات والتضحية في سبيل الغير، كما تقتضي بذلك علاقة الحبيب بالحبيب. ولكن النظرة الأكثر بطولية تجعل الإنسان مسئولا عن كل شيء، عن الخير والشر، والحسن والقبح، أما من حيث الله، والله لا يحتاج إلى إثبات بطولة، أو من حيث الإنسان، فالإنسان موجود من أجل البطولة في الاستخلاف.
نامعلوم صفحہ