قال القاضي أبو الوليد ابن رشد رحمه الله تعالى في شرحه المسألة: كرهه للرجل في خاصة نفسه من أجل ما قيل إنهم يجعلون فيه إنفحة الخنزير, ولو لم يسمح بذلك لم يكن عليه أن يبحث عنه, لأن الله سبحانه قد أياح لنا أكل طعامهم بقوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم. فأكل طعامهم جائز مالم يوقن بنجاسة, فغن خشي ذلك رجل لشيء سمعه يستحب له أن يتركه. ويبين هذا ما حكي عن عمر بن الخطاب وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم, وهو أنه روي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر يذكر أن المجوس لما راوا المسلمين لا يشترون جبنهم وإنما يشترون جبن أهل الكتاب عمدوا إلى أن جبنهم فصلبوا عليه كما يصلب أهل الكتاب ليشترى منهم. فكتب إليه عمر: ما تبين لكم انه من صنععهم فلا تأكلوه, وما لم يتبين فكلوه, ولا تحرموا على انفسكم ما أحل الله لكم. قال ابن حبيب: وقد تورع عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس في خاصة أنفسهم عن اكل الجبن إلا ما تيقنوا أنه من جبن المسلمين أو جبن أهل الكتاب خيفة أن يكون من جبن المجوس, ولم يفتنوا الناس ولا منعوهم من أكله. فمن أخذ بذلك في البلد الذي فيه المجوس مع أهل الكتاب فحسن, انتهى كلام القاضي. وقد تبين من هذا الكلام ومما قبله أن ما كان أصله الحلية, غما أن يتحقق فيه موجب تحريم, أو يغلب على الظن, أو يشك فيه لموجب أوجب ذلك, أو يجوز التحريم لغير موجب. فإن تحقق المانع فلا خفاء في التحريم, وذلك قول عمر رضي الله عنه: فإن تحقق لكم أنه من صنعهم
صفحہ 5