وإحالتها عليه، وتسمية ضياء العقل هداية ونورا ونسبته إلى الله تعالى وملائكته في قوله (الله نُورُ السَمَواتِ وَالأَرض) ولما كان مظنة الوهم والخيال الماغ وهما منبعا الوسواس، قال أبو بكر رحمة الله عليه لمن كان يقيم الحد على بعض الجناة: اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس، ولما كانت الوساوس الخيالية والوهمية ملتصقة بالقوة المفكرة التصاقا يقل من يستقل بالخلاص منها حتى كان ذلك كامتزاج الدم بلحومنا وأعضائنا، قال ﷺ: ﴿إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم﴾ وإذا لاحظت بعين العقل هذه الأسرار التي نبهتك عليها استيقنت شدة حاجتك إلى تدبير حيلة في الخلاص عن ضلال هذين الحاكمين.
فإن قلت: فما الحيلة في الإحتياط مع ما وصفتمونه من شدة الرباط بهذه المغويات؛ فتأمل لطف حيل العقل فيه فإنه استدرج الحس والوهم إلى أمور يساعدانه على دركها من المشاهدات الموافقة للموهوم والمعقول، وأخذ منها مقدمات يساعده الوهم عليها ورتبها ترتيبا لا ينازع فيه، واستنتج منها بالضرورة نتيجة لم يسع الوهم التكذيب بها، إذ كانت مأخوذة من الأمور التي لا يتخلف الوهم والعقل عن القضاء بها، وهي العلوم التي لم يختلف فيها الناس من الضروريات والحسيات وأستسلمها من الحس والوهم وارتهنها منهما، فصدقا بأن النتيجة اللازمة منها صادقة حقيقة، ثم نقلها العقل بعينها على ترتيبها إلى ما ينازع الوهم فيه وأخرى منها نتائج.
فلما كذب الوهم بها وامتنع عن قبولها هان على العقل مؤونته، فإن المقدمات التي وضعها كان الوهم يصدق بها على الترتيب الذي رتبه لانتاج النتيجة، فكأن الوهم قد سلم لزوم النتيجة منها فتحقق الناظر أن آباء الوهم عن قبول النتيجة بعد
1 / 64