ثم أنه لارتفاع قدرة تعز مناله أي يصعب ويتعسر إداركه من عز الشيء عزا أو عزازه، إذا قل، فلا يكاد يوجد؛ لأن العادة جرت بذلك، وهو أن كل أمر له خطر فلا يدرك إلا بتعب ومشقة.
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... وكذا كل يتفش هذه حاله
أي كل خيار والتفتيش الذي يتنافس فيه ويغرب ويحب ويكرم، فإن الشيء يحتسب خلاله محوصله بعظم المشقة في تحصيله، أي بقدر عظم ما يحصل منه من البقع لا يقع إلا بمشقة وتعب في تناوله وعلى قدر علو مكانه يكون الإهتمام بشأنه، أي يحسب ارتفاع مكانه الإرتفاع المعنوي يبتغي أن يكون الإهتمام بشأنه كذلك اهتماما عليا وقويا، وهذا تنبيه على ما يتوجه من استفراغ الوسع في تحصيله فلن يظفر بفوائد علم التوحيد إلا الخواص، هذا نفي على سبيل التأبيد للفوز بفوائد هذا الفن وإحرازها إلا في حق الخواص من الناس جمع خاصة، والمراد بهم هنا هم أهل العقول الزاكية والأنظار الوافية والهمم العالية والأذهان الصافية وعلم التوحيد المراد به كما تقدم علم الكلام وعلم الكلام اسمه الشهير سمي بذلك؛ لأنه أكثر الفنون كلاما وأوسعها أدلة وحجاجا. وقيل : إنما سمي بذلك لأنه العلم الكلي فإنه في تقسيماته يعم جميع الموجودات والمعدومات كما لا يلتفظ اللآلي إلا من خاص ستة مضمون الجملة الأولى وهو عدم الظفر بفوائد هذا الفن إلا للخاصة بمضمون الجملة. الأخرى وهو عدم الظفر بالنقاط اللآلي أي يتأولها وأخذها إلا لمن غاص لها في مظنتها. واللآلي جمع لؤلؤة وهي الدرة يقال في جمعها اللؤلؤ، واللآلي والغوص النزول تحت الماء، والغواص الذي يغوص في الحبر على اللؤلؤ، ولن يتمكن من اقتناص أبكاره إلا من امتهرهن صافي أفكاره، هذا من قبيل الإستعارة المرشحة شنة مسائل هذا الفن وعويصاته بالإنكار لما في فهمها من الصعوبة وعدم الإنقياد، ثم رسخ الإستعارة بذكر ما هو من لوازم المشبه به وهو الإفتضاض ومعناه الإقتراع، يقال:
صفحہ 39