الفصل الثاني: في الصحاري
اعلم: أن الإمام إذا وقف مع المأموم في الصحراء التي ليست مملوكة، واصطف الناس خلفه، وانقطع بعض الواقفين عن الصف الآخر بمائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع: كانت صلاة المنقطع صحيحة، لا خلاف فيها بين أصحابنا.
وإنما اختلفوا: في أن هذا لقدر يشترط على جهة التقريب أو على جهة التحديد: فذهب أبو علي بن خيران١ وأبو علي بن أبي هريرة٢ والأكثرون من أصحابنا على طريقة التقريب لا إلى طريقة التحديد، حتى لو زاد على ثلثمائة غير متفاحشة، ما ضرت تلك الزيادة.
وذهب أبو إسحاق المروزي٣ إلى طريقة التأقيت.
وأما المروزي، فقد نقل عن الشافعي في هذا اللفظ، وهو: أنه لو كان على نحو مائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع: كان جائزا، ثم قال: وقد اختار الشافعي القرب في الأملاك (٢-ب) بلا تأقيت، وهذا عندي أولى، لأن التأقيت: لا يدرك إلا بحد.
_________
١- هو: الحسين بن صالح بن خيران أحد أركان المذهب، كان إماما، زاهدا، ورعا، تقيا، نقيا، متقشفا من كبار الأئمة ببغداد ت٣٢٠هـ، "طبقات الشافعية" (٣/٢٧١) .
٢- هو: الإمام الجليل، الحسن، بن الحسين، القاضي، أبو علي، بن أبي هريرة، البغدادي، أحد عظماء الأصحاب ورفعائهم، المشهور اسمه، الطائر في الآفاق ذكره، شرح مختصر المزني مات سنة ٣٤٥هـ. السبكي (٣/٢٥٦) وابن خلكان (٢/٨٥) .
٣- هو: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، الفقيه، الشافعي، إمام عصره في الفتوى والتدريس، أخذ الفقه عن ابي الغباس بن سريج، وبرع فيه، وانتهت إليه الرياسة بالعراق بعد ابن سريج، والمروزي –بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو وبعدها زاي معجمة- نسبة إلى مرو الشاهجان لتتمييز عن مرو الروز، وخرج إلى مصر ومات بها سنة ٣٤٠هـ.
انظر: "وفيات الأعيان" (١/٢٦) و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص١١٢) .
1 / 21