مقدمة
...
تقديم
إن أجل نعمة أنعم الله بها علينا أن هدانا إلى هذا الدين القويم وشرح صدورنا به قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ الأنعام: ١٢٥. فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين وقائد الغر الميامين محمد سيد الخلق أجمعين وصلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن الصلاة هي الركن الثاني من أركان هذا الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين فعن جابر رضي لله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" رواه مسلم.
ولقد أمرنا الله سبحانه بالمحافظة عليها وأدائها في المسجد في جماعة ورتب الأجر العظيم على ذلك قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ البقرة:٢٣٨ وقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ النساء:١٠٣.
وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: سالت رسول الله ﷺ أي الأعمال أفضل قال: "الصلاة في وقتها ... " متفق عليه.
ولما كانت الصلاة في جماعة تحتاج إلى إمام ومأموم وأن العلاقة بين الإمام والمأموم لها أحكام يحتاج المسلم إلى العلم بها.
رأت المراقبة الثقافية بإدارة مساجد محافظة العاصمة أن تقوم بنشر كتاب "موقف الإمام والمأموم" للإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين المتوفى سنة ٤٣٨هـ لما فيه نفع عميم مساهمة منا في نشر الكتاب الإسلامي.
سائلين الله التوفيق والسداد
مراقبة الشؤون الثقافية
إدارة مساجد محافظة العاصمة
1 / 5
مقدمة
بسم الله مدبر أمر العباد.
والحمد لله الهادي إلى طريق الرشاد.
والصلاة والسلام على معلم العباد طريق الوصول إليه سبحانه، وأدب الوقوف بين يديه.
ولما كانت الصلاة أساس طريق الواصلين إلى الله، وقرة عيون المقربين من الله، لم يدعها الشارع الحكيم من دون تحديد معالم ورسوم، تنظم علاقة الإمام بالمأموم.
ولقد مارس رسول الله ﷺ وصحابته الكرام من خلفه هذه العلاقة عمليا، فاستفاد منها العلماء المجتهدون فوائد وأحكاما، بني عليها الأئمة العالمون، بل وفرعوا منها، وقاسوا عليها، حتى إنه لا يكاد يخلو موقف لإمام من مأمومه أو مأموم من إمام إلا وللعلماء فيه بيان وحكم يبين صحة الوقوف من عدمه.
ولا غرو، في مسألة لها صور عديدة، وتحتاج إلى تدليل، وأحيانا إلى تخريج على بعض صورها أن تحظى باهتمام علم من أعلام هذا الدين، يجمع لنا ما نحتاج إليه من صور نجد أنفسنا فيها ونحن نصلي صلاة الجماعة.
نسأل الله العلي القدير: أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبله بقبول حسن، إنه نعم المولى ونعم الوكيل.
والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين
فيصل يوسف العلي
الكويت
١٤٢٥هـ-٢٠٠٤م
1 / 6
ترجمة المصنف١
-اسمه:
هو الإمام أبو محمد: عبد الله، بن يوسف، بن محمد، بن حيويه الجويني والد إمام الحرمين، ركن الإسلام، الفقيه، الأصولي، المفسر الأديب، العالم، الزاهد.
-مولده: ٣٨٠هـ-٣٩٠هـ تقريبا، بلا تحديد.
-نسبه: يرجع إلى قبيلة من العرب يقال لها: "سنبس" وهي بطن من طيء.
-الجويني: وهذه نسبة إلى جوين، وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور.
-نشأته ورحلاته في طلب العلم:
تفقه أولا على أبي يعقوب الرابيوردي بناحية جوين، ثم قدم نيسابور، واجتهد في التفقه على أبي الطيب الصعلوكي، ثم ارتحل على مرو قاصدا القفال المروزي، فلازمه حتى تخرج به مذهبا وخلافا، وأتقن طريقته، وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة، وقعد للتدريس والفتوى ومجلس المناظرة وتعليم الخاص والعام.
-شيوخه:
١- أبو بكر القفال.
٢- عدنان بن محمد الضبي.
٣- أبو نعيم عبد الملك بن الحسن.
٤- ابن محمش.
٥- أبو الحسين بن بشران.
وغيرهم ...
_________
١- مصادر ترجمته:
١- "سير أعلم النبلاء" (١٧/٦٢٧) .
٢- "طبقات السبكي" (٥/٧٣) .
٣- "وفيات الأعيان" لابن خلكان (٣/٤٧) .
1 / 7
-تلاميذه:
١- ابنه إمام الحرمين أبو المعالي.
٢- سهل بن إبراهيم المسجدي.
٣- علي بن أحمد بن الأخرم.
وغيرهم ...
-مؤلفاته:
١- " التفسير الكبير".
٢-"التبصرة".
٣-" التذكرة".
٤-" الفرق والجمع".
٥-"موقف الإمام والمأموم".
٦-شرح عيون المسائل.
-وفاته:
توفي سنة ٤٣٨هـ بنيسابور، فرحمه الله ورضي عنه.
1 / 8
عملنا في الكتاب
١- نسخ "الأصل"، على طريقة الإملاء الحديث.
٢- مقابلة الأصل المنسوخ على المخطوط أكثر من مرة، وطريقتنا إن وجد خطأ في " الأصل"، الإبقاء عليه دون تغيير مع التنبيه على ما نراه في الحاشية، مع حكاية الوصف أو تصوير "الأصل" إن عسر.
٣- عزو الأحاديث التي ب"الأصل" إلى مواضعها التي أشار إليها المؤلف دون زيادة على عزوه، مع التنبيه على ما أخطأ فيه المؤلف في العزو أو إدخال حديث، وغيره مما ستراه في التعليق، يدلك على عدم عناية المصنف بالحديث: الرسالة١ التي أرسلها له الإمام الحافظ البيهقي، والتي انتقد فيها –بأدب العلماء - تصنيفا اسماه الجويني: "المحيط"، فلما بلغت الرسالة إلى الإمام الجويني - وكان قد اتم ثلاثة أجزاء-: توقف عن إتمام الكتاب - بأدب العلماء -، لما رأى من قصور في علم الحديث على ما بينه له الحافظ البيهقي ﵄.
٤- فهارس للمواضيع والأحاديث.
٥- وصف النسخة الخطية وصفا تفصيليا، وألحقنا بالوصف نماذج خطية.
٦- وضع ترجمة مختصرة للمؤلف.
٧- اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه.
_________
١- انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي ترجمة المصنف (٥/٧٣) .
1 / 9
اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه
-اسم الكتاب:
"موقف الإمام والمأموم"
هذا ما أثبت على أول النسخة الخطية، وكذلك ما سماه بن السبكي في "الطبقات" وغير واحد ممن ترجموا للمؤلف.
صحة نسبة الكتاب للمؤلف:
الكتاب صحيح النسبة للمؤلف وذلك لأمور:
١- نقل السبكي أسطرا من كتاب الجويني هذا مع تسميته للكتاب في موضعين من "طبقاته": الأولى: في ترجمة المصنف، والثانية في ترجمة أبي بكر القفال شيخ المصنف، انظر"طبقات السبكي الكبرى. (٥/٥٨، ٩٠، ٩١) .
٢- نسب هذا الكتاب غير واحد ممن ترجموا للمصنف في ترجمته، منهم:
* ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (٣/٤٧) .
* الأسنوي في "طبقات الشافعية" (١/٣٣٩) .
* الداودي في "طبقات المفسرين" (١/٢٦٠) .
وذكره منسوبا إلى الجويني: صاحب "هداية العارفين" (٥/٤٥١)، وبروكلمان في "تاريخ الأدب العربي".
1 / 10
وصف المخطوط
-مصدرها: بلدية الإسكندرية، وتم تصويرها من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (٢٧٩٥/د) .
-عدد أوراقها: (١١) ورقة من القطع الكبير.
-عدد سطورها: (١٩) سطرا وقد يزيد على (٢٢) سطرا.
-عدد كلماتها: متفاوتة ما بين (١٠) إلى (١٦) كلمة في السطر.
-تاريخ النسخ: لا يوجد عليها ما يدل على تاريخ النسخ ولا اسم الناسخ.
-خطها: خط نسخى، متوسط الوضوح، عسر في مواضع غير قليلة.
-جودتها: لا يعتني الناسخ بالإعجام للحروف، وبها تعقبة أسفل كل ورقة تدل على اتصال الكلام، وعليه: فلا يوجد خرم بالنسخة –كما يوجد بها آثار الأرضة والرطوبة والطمس، ويوجد بها موضع واحد مبيض له، وبها عدة مواضع وقع عليها الضرب، أما التصحيح: فليس إلا موضع واحد بين السطور، وليس عليها بلاغات أو سماعات تدل على مقابلة النسخة أو العناية بها ولا تداولها بين العلماء.
1 / 11
مدخل
...
(١-أ) بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ، الإمام، العلامة، وحيد دهره، وفريد عصره، أبو محمد عبد الله، بن يوسف، الجويني، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته أمين:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد:
فإن بعض الأعيان المتدينين استدعى، جمع فصول في موقف الإمام والمأموم، وتفصيل القول في أماكن الجماعات، وذكر في مسائلها وأقاويل سلفنا ﵏، فرتبنا فيها فصولا تشتمل - إن شاء الله - على معظم المقصود.
الفصل الأول: في المساجد.
الفصل الثاني: في الصحاري.
الفصل الثالث: في قوارع١ الطريق.
الفصل الرابع: في المساكن والخانات٢.
الفصل الخامس: في المدارس والخانقهات٣ الموقوفة على أربابها.
الفصل السادس: في السفن على الماء والساحل.
الفصل السابع: في السهل مع الجبل.
الفصل الثامن: في الصحراء إذا اتصلت بالمسجد.
الفصل التاسع: في الطريق إذا اتصلت بالمسجد.
_________
١-قوارع: قارعة الطريق: أعلاه وفي الحديث: نهى عن الصلاة على قارعة الطريق، وهي وسطه، وقيل: أعلاه، والمراد به ههنا نفس الطريق، انظر: "لسان العرب" مادة: "قرع".
٢- الخانات: جمع خان ما ينزله المسافرون، فارسي معرب، انظر: "المصباح المنير" (٧٠)، "لسان العرب" مادة: "خون" "الموسوعة العربية الميسرة" (٧٥٠) .
٣- خانقاه: كلمة فارسية تطلق على المباني التي تقام لإيواء الصوفية الذين يخلون فيها للعبادة، وقد انتشرت هذه المباني منذ القرن الحادي عشر وفي العهد العثماني سميت هذه المباني "تكايا".
انظر: "الموسوعة العربية الميسرة" (ص: ٧٥٠) .
1 / 17
الفصل العاشر: في الأملاك إذا اتصلت بالمسجد.
الفصل الحادي عشر: في السطح مع الأرض.
الفصل الثاني عشر: في موقف الإمام والمأموم حول الكعبة.
1 / 18
الفصل الأول: في المساجد
اعلم (١-ب)، أن المسجد الواحد إذا جمع الإمام والمأموم صح الاقتداء بالإمام إذا وجد شرط واحد: وهو علم المأموم، إما بأن يشاهده، أو بأن يسمع صوت تكبيره، وإما بأن يسمع صوت المترجم١، أو يراه، أو بعض من يعلم بصلاته أحد هذه الأسباب، سواء تباعدت المسافة بينهما أو تقاربت، سواء كان بين الإمام والمأموم الحوائل التي تكون في المسجد، أو لم تكن مثل السقايات٢ المبنية وجدار المقصورة٣، وسائر الأبنية، ولا يشترط اتصال الصفوف بحال، وإنما كان كذلك، لأن المسجد مبني لهذه العبادة ولإقامة الجماعة، فصارت بقاعه متساوية بالاجزاء في حكم الاقتداء، حتى لو كان الإمام على السطح والمأموم على القرار٤، أو المأموم على السطح والإمام على القرار، فالصلاة جائزة.
وكذلك لو كان المأموم في حجرة منارة المسجد أو تحت شرف٥ في المسجد والإمام على الأرض، أو بالعكس من ذلك، فالاقتداء صحيح في جميع ذلك، ما دام يعلم صلاة الإمام للعلة التي ذكرناها.
وإن كان في صحن المسجد نهر: لم يكن حائلا، سواء كان متضايق الحافات، أو كان واسعا.
وحكي عن بعض أهل العراق –من أصحاب الرأي-: أن النهر الواسع حائل وإن
_________
١- ترجم الكلام: بينه ووضحه، ونقله من لغة إلى أخرى وهو ما يعرف بالمبلغ.
انظر: "المعجم الوجيز" (٧٤) .
٢- والسقاية: الموضع الذي يتخذ في الشراب. "لسان العرب" مادة " السقي".
٣- غرفة خاصة معزولة عن باقي غرف الدار وأعلى منها، ومقصورة الإمام: الحجرة في طرف المحراب يصلي فيها الأمير عادة خشية اغتياله.
" لسان العرب" مادة: "قصر" " معجم لغة لفقهاء".
٤- القرار: المستقر من الأرض. "راجع لسان العرب" مادة "قرر"، و"مختار الصحاح" مادة "قرر".
٥- الشرفة: سقيفة بارزة من البيت تطل على ما حولها.
"لسان العرب" مادة: "شرف"، و"مختار الصحاح".
1 / 19
كان في المسجد، وهذا مستبعد، لأنه لو كان النهر حائلا لكانت الأبنية حائلة، ولكانت المسافة البعيدة حائلة.
فصل
المساجد المتداخلة التي تعد مسجدا: حكمها في الاقتداء حكم المسجد الواحد.
وذلك: مثل الجامع١ بنيسابور٢ يشتمل على مساجد غير أن جميعها تعد مسجدا واحدا، وتقام فيه الجماعة واحدة، فجدرانها كالأساطين٣ في مسجد واحد، ولو وقف الإمام في محراب ووقف رجل في المسجد الثاني على العتبة أو في المسجد الذي على اليمين أو على اليسار ولم يقف (٢-أ) بينهما أحد، صح اقتداؤه به، إذا علم بصلاته بسماع أو ملاحظة، وكذلك على (...) ٤.
فأما إذا كان في جوار المسجد مسجد آخر، ينفرد الإمام والمؤذن والجماعة، فلا يصح لمن في أحدهما أن يقتدي بالآخر، إلا بشرط اتصال الصفوف، لانفراد واحد منهما عن الآخر، فحكمه في عقد الجماعة، فصار كالأملاك المتصلة بالمسجد، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه٥: إنه لو كان الإمام والمأموم في المسجد، غير أن المأموم أعمى، لكنه يسمع صوت الإمام أو صوت من يعتمده: صح له الاقتداء به وإن لم يشاهده.
وكذلك، لو كان المأموم أصم بصيرا: يشاهد الركوع والسجود: صح الاقتداء.
فأما إذا كان أصم أعمى، فقد قال: ينبغي أن يكون بجانب من يرشده، وكذلك لو كان أصم بصيرا، ولكنه في ظلمة أو من وراء حائل.
_________
١- المسجد الجامع: المسجد الكبير الذي تؤدى فيه الصلاة الجمعة، جمع: جوامع.
انظر: "معجم لغة الفقهاء" (ص: ١٥٨) .
٢- نيسابور: بفتح أوله، وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ومنبع العلماء، لم أر فيه طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها، قاله الحموي، "معجم البلدان" للحموي (٥/٣٣١) .
٣- الاسطوانة: السارية. انظر: "لسان العرب" مادة "سطن".
٤- بالأصل كلمة غير مقروءة مع ظهورها.
٥- هو: محمد بن إدريس، بن عباس، بن عثمان، بن شافع، بن السائب، بن عبيد، بن عبد زيد، بن هاشم، بن المطلب، بن عبد المناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب الإمام، عالم العصر: ناصر الحديث، فقيه الملة أبو عبد الله القرشي المطلبي الشافعي المكي الغزي المولد سنة ١٥٠هـ ومات ٥٠٤ وله أربع وخمسون سنة، وقيل: ثمانية وخمسون –رحمه الله تعالى.
انظر: "سير أعلام النبلاء" (١٠/٥) .
1 / 20
الفصل الثاني: في الصحاري
اعلم: أن الإمام إذا وقف مع المأموم في الصحراء التي ليست مملوكة، واصطف الناس خلفه، وانقطع بعض الواقفين عن الصف الآخر بمائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع: كانت صلاة المنقطع صحيحة، لا خلاف فيها بين أصحابنا.
وإنما اختلفوا: في أن هذا لقدر يشترط على جهة التقريب أو على جهة التحديد: فذهب أبو علي بن خيران١ وأبو علي بن أبي هريرة٢ والأكثرون من أصحابنا على طريقة التقريب لا إلى طريقة التحديد، حتى لو زاد على ثلثمائة غير متفاحشة، ما ضرت تلك الزيادة.
وذهب أبو إسحاق المروزي٣ إلى طريقة التأقيت.
وأما المروزي، فقد نقل عن الشافعي في هذا اللفظ، وهو: أنه لو كان على نحو مائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع: كان جائزا، ثم قال: وقد اختار الشافعي القرب في الأملاك (٢-ب) بلا تأقيت، وهذا عندي أولى، لأن التأقيت: لا يدرك إلا بحد.
_________
١- هو: الحسين بن صالح بن خيران أحد أركان المذهب، كان إماما، زاهدا، ورعا، تقيا، نقيا، متقشفا من كبار الأئمة ببغداد ت٣٢٠هـ، "طبقات الشافعية" (٣/٢٧١) .
٢- هو: الإمام الجليل، الحسن، بن الحسين، القاضي، أبو علي، بن أبي هريرة، البغدادي، أحد عظماء الأصحاب ورفعائهم، المشهور اسمه، الطائر في الآفاق ذكره، شرح مختصر المزني مات سنة ٣٤٥هـ. السبكي (٣/٢٥٦) وابن خلكان (٢/٨٥) .
٣- هو: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، الفقيه، الشافعي، إمام عصره في الفتوى والتدريس، أخذ الفقه عن ابي الغباس بن سريج، وبرع فيه، وانتهت إليه الرياسة بالعراق بعد ابن سريج، والمروزي –بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو وبعدها زاي معجمة- نسبة إلى مرو الشاهجان لتتمييز عن مرو الروز، وخرج إلى مصر ومات بها سنة ٣٤٠هـ.
انظر: "وفيات الأعيان" (١/٢٦) و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص١١٢) .
1 / 21
وكان الشيخ أبو بكر القفال١: يختار طريق التقريب، على ما نص عليه في "الإملاء" ويجمع بينه وبين ما ذكر في "المختصر"، وأنه لم يرد فيها٢ ذكره "المختصر" التأقيت، وإنما أراد التقريب، بدليل التنويع الذي ذكره، وهو قوله: على مائتي ذراع أو ثلثمائة، وليست هذه العبارة من قصد التأقيت والتحديد.
فإن قيل: فمن أين أخذ الشافعي ﵁ هذا وهذا، ولم ما قال ألف ذارع أو ألفي ذراع؟
قلنا: يحتمل أنه أخذ ذلك من سنة رسول الله ﷺ التي رواها عبد الله بن عمر في صلاة الخوف أنه ﷺ صدع الجيش صدعين وتنحى طائفة وصلى بها ركعة، ثم رجعت تلك الطائفة إلى القتال وهي في الصلاة٣ على حكم الاقتداء برسول الله ﷺ.
ومعلوم، أنه ﷺ قصد بهذا التنحي: وقوع الأمن من أن تنالهم سهام الأعداء وما يرمى به من العبد، ولا يكاد يحصل لهم الأمن إلا أن يتباعد قدر رمية سهم، وهذا القدر: مسافة كاملة لها سهم أو زائدة يحصل بها تمام الأمن.
واستنباط مشايخنا هذا، دليل ظاهر على أنه تقريب لا تحديد.
فصل
إذا وقف صف خلف الإمام في الصحراء، أو وقف صف على ثلاثمائة ذراع من الصف الثاني: فصلاة الجميع صحيحة.
وكذلك، لو تباعد عن يمين الإمام أو عن يساره، فوقف على هذا القدر من المسافة: كانت الصلاة مجزية. والصحراء في ذلك (٣-أ): خلاف الأبنية، لأن الصحراء مشتركة المنافع، وهذه إحدى المنافع.
_________
١- هو الإمام الزاهد الجليل البحر عبد الله بن أحمد بن عبد الله، يعرف بالقفال الصغير المروزي شيخ الخراسانيين، وليس هو القفال الكبير، هذا أكثر ذكرا في كتب الفقه، ولا يذكر غالبا إلا مطلقا، وذاك إذا أطلق: قيد بالشاشي، وهو شيخ المصنف، توفي سنة ٤١٨هـ. انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (٥/٥٣) .
٢- كذا بالأصل: "فيها" والأولى: "فيما".
٣- حديث ابن عمر: رواه البخاري في كتاب صلاة الخوف باب صلاة الخوف حديث (٩٤٢) . ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث (٨٣٩) .
1 / 22
الفصل الثالث: في القوارع
وهي والصحراء في جميع ما ذكرنا
وكذلك، إذا وقف المصلي في ملك أو بناء من الأبنية المتصلة بالطريق: فهو كما لو وقف في المتصلة في الصحراء، وسنذكر ذلك فيما بعد.
وإنما فارقت قوارع الطريق الصحراء في شيء، وهو: أن النبي ﷺ نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المقبرة، والمجزرة، والمزبلة، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل، وظهر الكعبة، والحمام١.
فيكره، الوقوف في الطريق بهذا الخبر، ويحكم، بصحة الصلاة.
ولو وقف الإمام على الصحراء والمأموم على صحراء وبينهما مدرجة: فلا بأس وإن كانت واسعة لأن الطريق لا تكون قاطعة وإن كان بينهما نهر غير واسع فهو غير قاطع وإن كان واسعًا فهو قاطع، بخلاف النهر في المسجد.
والفرق بينهما: أن المسجد بني لهذه المنفعة المحصورة، بخلاف الصحراء، فإنها لا تحصر بهذه المنفعة، ولهذه لم يكن بعد المسافة في المساجد مانعا، ولا الحوائل ولا الأبنية الحاجزة قاطعا، بخلاف الصحراء.
_________
١- أخرجه الترمذي (٣٤٦)، وابن ماجه (٧٤٦): من طريق زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر.
وقال الترمذي: إسناده ليس بذالك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه.
1 / 23
الفصل الرابع: في المساكن والخانات
إذا أراد مع القوم عقد الجماعة في الدار، ينبغي أن يكونوا في موضع واحد جامع، ليخرجوا عن الخلاف الذي سنذكره، ويستغنوا عن اتصال الصفوف.
-ومعنى قولنا يقفون في موضع واحد: أن يقفوا جميعا في صحن الدار أو في الصفة١ واحدة من الصفف أو في البيت من البيوت.
-فإذا وقفوا جميعا (٣-ب) في الصحن: جاز أن يكون الإمام في مقدمة الصحن والصف متباعد عنه، وإن كان الصحن واسعا بحيث يزيد على مائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع.
فأما إذا وقف الإمام في الصحن، ووقف المأموم في صفة من الصفف: نظر، فإن اتصل الصف من الصحن بالواقف في الصفة اتصال المناكب، إذا كانت الصفة على يمين الصحن أو يساره: صحت صلاة الواقف في الصفة.
وكذلك: إن كانت الصفة في مؤخر الصحن خلف ولو يزد ما بين الواقف بصلاة الإمام في الصحن، لأنه في العرف يسمى متصلا وإن اختلف بناء الصفة والصحن.
-فأما إذا لم يتصل أحد هذين الاتصالين فقد اختلف مشايخنا في ذلك:
فذهب الشيخ القفال: إلى أن صلاة الواقف في الصفة باطلة، لأن الصفة بناء مخالف للصحن، واختلاف الأبنية والبقاع مؤثر في الاتصال والانقطاع، فإذا وجد هذا الاختلاف: وجب اشتراط الصفوف.
وذهب بعض أصحاب أبي إسحاق المروزي إلى تجويز ذلك.
وإليه ذهب أبو ثور٢، وزعموا: أن هذا القدر لا يسمى في العرف والعادة: انقطاعا.
_________
١- صفة الدار: واحدة الصفف، الصفة من البنيان: شبه البهو الواسع الطويل السمك.
انظر: "لسان العرب" مادة: "صفف".
٢- هو: إبراهيم بن خال بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي صاحب الإمام الشافعي ﵀ وناقل الأقوال القديمة عنه مات سنة ٢٤٦هـ ببغداد.
انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (١/٢٦) و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص١٠١) .
1 / 24
واعلم، أن اتصال الصفوف على هذين الضربين:
أحدهما: اتصال المناكب في هذه المسألة: أن يكون الصف في أحد جانبي الصحن، فيقف صف في الصحن ويمتد إلى الصف، وتكون مناكبهم متراصة.
والثاني: توالي الصفوف، بأن لا يكون الواقف في الصف خلف الإمام بين الصف قدمه في الصحن أكثر من ذراعين أو ثلاثة أذرع، هكذا قال الشافعي ﵁.
وإنما اشترطنا ذلك: أن الصفوف تعد موالية (٤-أ)، إذا تخللها هذا المقدار.
ولا تعد متوالية، إذا زاد على ذلك في العرف والعادة، وهذا على طريق التقريب، لا على طريق التحديد.
وكذلك، لو كان الإمام في الصفة والقوم في الصحن، أو في الصفة الأخرى: فالمذهب فيه: على ما ذكرنا: أنه تصح الصلاة مع اتصال الصفوف، وإذا لم تتصل: فعلى هذا الخلاف.
واعلم، أن الصفوف إذا اتصلت أحد هذين الاتصالين، فلا يضر أن يكون بعضهم على سرير، وبعضهم على الأرض، ويكون الإمام على سرير، والقوم على سرير آخر ما لم يكن بينهما من الفرجة ما يقطع الاتصال، فإن كانت الأرض من الارتفاع والانخفاض بمقدار السرير من الأرض: فلا بأس، ما دام الواقف على المرتفع تحاذي ركبته رأس الواقف على الأرض.
وهذا الحد، ذكره الشافعي في بعض فروع الواقف.
وإن كان أعلى من ذلك: صار في حكم السطح مع الأرض.
ولا خلاف بين أصحابنا: أن الإمام إذا وقف على الأرض في الدار، ووقف المأموم على سطح الدار أو على الشرفة أو على عرصة١: فصلاة المأموم باطلة على الجملة.
إن الصلاة على السطح بصلاة الإمام على الأرض لا تصح إلا في موضع واحد:
وهو: أن يكون في المسجد وعلى سطحه حتى كان الشيخ القفال يستنزل الناس عن
_________
١- العرصة: بفتح فسكون ففتح: جمع عرصات: عراص، كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بنا.
انظر: "مختار الصحاح" مادة "عرص" و" معجم لغة الفقهاء".
1 / 25
جدار المصلى يوم العيد، لأن مصلى أهل مرو١ بقعة مغصوبة، وكل مسجد بني في بقعة مغصوبة: فليس بمسجد٢.
وحكمه: حكم المساجد المملوكة في موقف الإمام والمأموم.
وأما إذا كان الإمام في الصحن، ووقف رجل في بيت عن يمين الصحن أو يساره: لم تصح (٤-ب) صلاته إلا بأن يتصل الصف به اتصال المناكب أو يقف على العتبة واقفة٣ إن كانت العتبة عريضة ولا يضره إن كانت مرتفعة.
وإن كان الباب موصدا٤: لم تصح صلاة من في البيت.
وإن كان البيت خلف الإمام في الآخر الدار، واتصلت الصفوف بالواقف في البيت اتصال التوالي والباب غير موصد، ففي صلاته وجهان:
أحدهما: أنها صحيحة، قياسا على اتصال المناكب.
والثاني: أنها باطلة، لأن هذا الاتصال دون اتصال المناكب، والبيت والصحن اختلافهما أشد من اختلاف الصفة والصحن، حتى لو كان على باب الصفة سترة أو جدار وغلق على باب: فحكمه حكم البيت، والأول مذهب ابن ثور، وهو أصح.
وأما موقف من وقف في البيت وبينه وبين الصحن جدار، غير انه يرى الإمام أو القوم من فرجة أو شباك: فصلاته باطلة، باتفاق أصحابنا، لأنه غير متصل بالجماعة على وجه.
فصل
القوم إذا عقدوا جماعة على سطح مستو: فحكمه حكم الصحن.
وإن كان بعضه أخف من بعض انخفاضا يسيرا، لم يضر، وكانوا في حكم الاتصال، ما دامت الأقدام محاذية الركب، على ما حكينا عن الشافعي.
_________
١- مرو: بلد كبير من أقاصي خراسان، خرج منها أئمة والنسبة إليها مروزي على غير قياس.
انظر: "معجم البلدان" للحموي (٥/١١٢) و" الأمصار ذوات الآثار" للذهبي (٨٣) .
٢- ذكر هذه العبارة السبكي في "الطبقات" (٥/٥٨) في ترجمة القفال.
٣- كذا في الأصل: "واقفة".
٤- أو صدت الباب وآصدته: أغلقته.
انظر: "مختار الصحاح" مادة "وصد".
1 / 26
وإن اتصل سطح بسطح دار أخرى، والملكان مختلفان، فالصحيح من المذهب: أن اختلاف الملكين لا يجري مجرى اختلاف الأبنية إذا كانت المواقف مستوية، إذ لا تأثير، لاختلاف الملك في الاتصال والانفصال من حيث المشاهدة، وإنما يؤثر في ذلك: اختلاف الأبنية عرفا وعادة، والشافعي: يعتمد العرف والعادة في الاتصال والانفصال، لأنه قال: وقرب ما يعرفه الناس قربا، ومعقول أن الرجلين، إذا وقفا في أرض مستوية وموقف أحدهما (٥-أ) ملك زيد، وموقف الآخر ملك عمرو، وهما متقاربان: لم يعد ذلك قطعا وفصلا.
وإذا كان أحدهما في الصفة، والآخر في البيت أو في صفة أخرى: كان ذلك في العرف والعادة افتراقا وانقطاعا، ولم يعرف ذلك اتصالا واجتماعا.
وجميع ما ذكرناه في المسائل: هو حكم الخانات أيضا.
وكان اختيار الشيخ القفال: أن الإمام إذا وقف في صحن الخان والمأموم في الرواق١ أو في بهو٢ الخان، أو وقف الإمام في الرواق من الخان والمأموم على رواق آخر: فصلاة المأموم باطلة، إذا لم تتصل الصفوف به أحد الاتصالين اللذين ذكرناهما.
ومذهب أبي حنيفة٣ أن صلاة المأموم صحيحة، وإن لم تتصل به الصفوف.
_________
١- الرواق: بيت كالفسطاط يحمل على عمود واحد طويل ورواق البيت: مقدمه، وسقيفة للدراسة في المسجد أو معبد او غيرهما.
انظر: "المعجم الوسيط" (١/٣٨٣) .
٢- البهو: الواسع من الأرض، وكل هواء أو فجوة فهو عند العرب بهو.
انظر: "لسان العرب" مادة "بهو".
٣-هو: الإمام: فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي مولى بني تمم الله بن ثعلبة، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة توفي ١٥٠هـ وله سبعون سنة ﵁ ورحمه.
انظر: "سير أعلام النبلاء" (٦/٣٩٠) .
1 / 27
الفصل الخامس: في المداري الموقوفة على أربابها
اعلم، أن المدارس في هذه المسائل حكمها حكم الأملاك لا حكم المساجد، لأن واقفها: وقفها ليسكنها أقوام مخصوصون، فصاروا مالكين لمنافعها دون غيرهم، كما يكون المالك مختصا بمنافع ما استأجره، بخلاف المساجد: فإنها لا تختص بقوم دون قوم، وهي مبنية، لإقامة الصلاة والجماعات فيها، بخلاف المدارس.
ولهذا لا يصح الاعتكاف١ في المدارس، كما لا يصح في الأملاك.
ويجوز للجنب والحاض المكث في المدارس والمبيت فيها، بخلاف المساجد.
فإذا ثبت: أن حكمها حكم المساكن المملوكة، فلا يجوز: أن يقف الإمام في بناء من أبنيتها، والمأموم في بناء آخر، إلا بشرط اتصال الصفوف على ما ذكرناه.
وكذلك: لا يجوز أن يقف أحدهما على السطح والآخر على الأرض، لأن سطح المدرسة منقطع عن أرضها في حكم الصلاة.
فصل
إذا بني (٥-ب) رجل المدرسة، ووقفها على قوم موصوفين، وبني فيها بناء لأو صفة، وقال: جعلت هذا مسجدا: ثبت لها حكم المسجد، ولا يجوز للجنب أن يلبث فيها، ويصح اعتكافه فيها.
وأما ما اتصل به، من رواق المدرسة: فحكمه حكم الأملاك المتصلة بالمساجد على ما بينته.
وأما إذا لم يقل الواقف: جعلت هذا البيت أو هذا الرواق مسجدا، غير أن سكان المدرسة عينوه للصلاة فيه: لم يصر ذلك مسجدا، وإن واضبوا عليه، لأن الاعتبار بلفظ الواقف لا بلفظ الأرباب (...) ٢ ألا ترى: لو أرادوا تغيير شرط من شروطه بعد تمام
_________
١- الاعتكاف: لغة: لزوم الشيء والإقبال عليه، وشرعا: المكث في المسجد بنية القربة "معجم لغة الفقهاء" (ص: ٧٦) .
٢- بالأصل كلمة غير مقروءة وهذا رسمها (وعانتهم) .
1 / 28
لفظ الواقف وانقضاء عبارته: لم يتمكن منه.
فصل
المسجد القديم، إذا اتصلت به مدرسة، أو المدرسة القديمة، إذا اتصل بها مسجد مستحدث البناء: فحكمها: حكم الأملاك المتصلة بالمساجد على ما ذكرناه، وسواء، فتح منها باب في المسجد، أو رفع الحاجز بينهما ولم يرفع ولم يفتح١.
فصل
-٢ الواحد من أهل العلم إذا سأل الناس مالا، واستجداهم، وقال: إنما أطلب هذا، لبناء مدرسة، فبذلوا له مالا، فاشترى بقعة، وجعلها مدرسة ووزن ثمنها من ذلك المال، ثم زعم أنني اشتريت هذه البقعة لنفسي، فأتصرف فيها كيف شئت: أجعلها مسجدا، أو أستديم عليها ملكي: لم يكن له ذلك، والواجب صرف تلك البقعة إلى الجهة التي بذل المال لها.
وإن جعلها هذا العلم مسجدا، لم تصر مسجدا، وصارت بنفس الشري مدرسة، لما تقدم من النيات المتقدمة والتقيد السابق.
وإنما ذكرنا هذا الجواب، عن أصل منصوص للشافعي ﵁ في بعض كتبه، ولو لم يصيرها مصروفة إلى الجهة الموصوفة: لأوجبنا على العالم المشتري أن يرد على الناس ما أخذ (٦-أ) من الأموال، لأنها مبذولة لجهة مخصوصة، وإذا لم يسعملها في تلك الجهة: وجب عليه ردها.
وهذه: طريقة أبي العباس بن سريج٣، وفرع٤ عليها مسائل، وفيها مصلحة لأموال الناس وإن كان القياس غيرها.
_________
١- هكذا السياق بالأصل.
٢- "أعلام الساجد" (ص٤٠٥) .
لو سال واحد من أهل العلم الناس مالا.
٣- هو: القاضي: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الباز الأشهب، شيخ المذهب وحامل لوائه وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي مات سنة ٣٠٦هـ.
انظر "طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: ١٠٨) و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (٣/٢١) .
٤- انظر "طبقات السبكي" نقل هذه العبارة في ترجمة المصنف (٥/٩٠، ٩١) .
1 / 29