مسألة
فإن قيل لك : أتصف الله بحركة وسكون ؟
فقل : لا يوصف الله بالحركة والسكون (¬1) لأن الحركة تعب ومؤونة ولا يكون ذلك إلا من محدود له نهاية وعرض وطول وذلك من علامات الخلق وليس الله كذلك (¬2) .
مسألة
فإن قيل لك : أخبرني عن الله هل يتكلم ؟
فقل : نعم، بأصدق الكلام وأبره، والقرآن كلامه، وكلم الله موسى تكليما (¬3) .
¬__________
(¬1) - في المتن : بحركة ولا سكون.
(¬2) - لأن الحركة والسكون لا يوصف بهما إلا الجسم ، والجسم لا يكون إلا محدودا ذا نهاية وطول وعرض والله تعالى عن ذلك . وكيف يكون الله - عز وجل - أن يوصف بالحركة والسكون ، والحركة والسكون لا ينفك الجسم منهما ولا يوصف بهما غيره ، وهما محدثان كائنان بعد ما لم يكونا يتعاوران على الجسم ، حركة ثم سكون ثم حركة ثم سكون ، وهما محدثان والجسم لم يسبقهما ولم يتقدمهما. وما لم يسبق المحدث فهو محدث مثله . فبطل بهذه العلة ولمثلها أن يوصف القديم - عز وجل - بحركة ولا سكون. وليس يخلو الواصف لله - عز وجل - بحركة وسكون أن تكون الحركة والسكون عنده دالتين على حدوث الموصوف بهما أو تكون الحركة والسكون غير دالتين على حدوث الجسم الموصوف بهما فيكون القديم عنده محدثا ويكون المحدث قديما ، فكلاهما فاسدان وفسد لفسادهما أن يوصف القديم بحركة ولا بسكون .وأيضا إن الحركة والسكون عرضان محدثان يحلان في الجسم . ومعاذ الله أن يكون محلا للحوادث ، يتعالى عن ذلك.وأيضا= =الذي يفعل بالحركة والسكون ، فعله بعلاج ومعانات ومؤونة وتعب ، كما قال صاحب الكتاب .
(¬3) - قيل: إن معنى يتكلم من معنى الأفعال ، وزنه على غير معنى كلم. ومعنى كلم يوجب الغير ، ( كلمه غيره) وليس يتكلم كذلك = =وقد زعم قوم من أهل الكلام أن يتكلم لا يجوز على الله - عز وجل - وجوازه أحب إلي وهو في اللغة الفصيحة . ومنه قول الشاعر :
أعياك رسم الدار لم يتكلم حتى تكلم كالأصم الأعجم .
فأما كلم فمعناه : كلم غيره كما قال تعالى : (( وكلم الله موسى تكليما )) (النساء 174 ) ومتكلم معناه ليس بأخرس. ويقال كلم الله أنبياءه ورسله ، ولا يقال : كلم عباده . ويقال قال الله لأنبيائه ولرسله ، وقال لعباده ، ولا يقال : قالوا له، ولا كلموه ولا أخبروا له . وإنما يقال : سألوه ودعوه . وقوله - عز وجل - (( وكلم الله موسى تكليما )) فيها التوكيد بقوله : تكليما، وهذا التأكيد عند العلماء يوجب الكلام من غير واسطة ، ولا رسول، ولا وحي ، إلا أن يسمع الكلام لا من لسان أحد ، وهو معنى قوله تكليما عندهم والله أعلم .ومعنى قول صاحب الكتاب : إن الله يتكلم بأصدق الكلام وأبره ، يريد أن كلامه - عز وجل - صدق وبر ، والبر من الأشياء كل شيء حسن . وأما قوله : والقرآن كلامه ،يريد أن القرآن من كلام الله - عز وجل - وكذلك سائر الكتب المنزلة من عند الله - عز وجل - هي كلامه . والمعنى في ذلك أنه لم يسبقه - عز وجل - إلى ذلك الكلام أحد ، بل هو الذي أنشأه من عنده ، ولم يحكه عن أحد . فانه يقال : قصيدة امرىء القيس وخطب قس بن ساعدة ، ومواعظ عيسى ، وحكمة لقمان.والمعنى في ذلك كله أنه من عندهم ابتداء لم يسبقهم إلى مثله= = من الكلام أحد ، ولذلك ينسب إليهم كما رأيت . والكلام عند الاباضية وأهل النظر منهم ، هو من حيث ما دار من كلام الله سبحانه، ومن كلام البشر هو عرض من الأعراض .
صفحہ 86