وقد يكون "المعنى" عبارة عن تخريج صورة مجازية على نحو ما نقرأ في البيت الثاني: "المعنى أن قلبه بسبب حمية الحبيب له، وإيقاده به نار الصبابة، هو في حرارة واحتراق، وأنه يضطرب ويحترق، فالنار مستعرة بحركته، لأنه كالنافخ لها. فحالته في ذلك كحالة المقباس إذا صادفته ريح فهي تقلبه ذات اليمين وذات الشمال. فأخبر أن قلبه يكابد غصص أمرين: الحرارة والخفوق"(¬1)[65].
فمن السهل التمييز بين الشقين المكونين لهذا "المعنى"، ففي الأول يحاول الشارح تحديد طرفي الصورة، والكشف عن العلاقة بينهما، وفي الثاني، الذي يبتدئ من قوله: "فأخبر.."، يلخص المعنى على طريقة أغلب الشراح الذين يهدفون إلى الإفهام لا إلى التذوق.
غير أن تذوق الصور الشعرية، وربطها بالحالة النفسية للشاعر لا يتحقق إلا في الأبيات التي تصور حالة نفسية، أما الأبيات التي لا تحتوي على أكثر من أوصاف مرصوفة فهي لا تستحق، في نظر الإفراني إلا أن يقال فيها كما قال المتنبي(¬2)[66]:
[ص33]
أساميا لم تزده معرفة
وإنما لذة ذكرناها
وشأنها شأن الأبيات التي تقوم على أحكام عقلية جافة، كالبيت الثاني والعشرين الذي يحتج فيه على خرق مبدأ قانوني:
ليت شعري أي شيء حرما
ذلك الورد على المغترس
إذ لم يزد في "المعنى" على قوله: "لما أبان في البيت قبله أنه الغارس للورد في رياض الوجنات، ومن غرس شيئا فهو له، عجب من كونه لا يجد سبيلا لقطف ما غرسه، ولم يدر السبب الموجب لهذا الإبعاد"(¬3)[67]، واقتصر في (البيان) على الإحالة على ما سبق: "تقدم ما يتعلق بالورد والغرس وما فيها من المجاز"(¬4)[68]، ثم استطرد بشرح (التوجيه). ومثل ذلك صنيعه في (المعاني).
صفحہ 36