ونشرع الآن في تلمس هذه الحقيقة من الشرح مباشرة فنضع بين يدي القارئ نموذجا من النماذج الموفقة في سبك معاني الأبيات، نقتطفه من شرح البيت الثالث، وهو: "كان في البيتين(¬1)[63] قبله في مقام الغيبة، فتضاعف وجده، إلى أن استغرق في أوصاف جمال محبوبه، وفني في مشاهدة حسنه، فصار حاضرا لديه، مخاطبا له، فهو يحاوره، ويطارحه بما قاساه من هواه، ويقول: يا أيها القمر الذي كان طالعا في فلك القرب، حاضرا في سماء القلب، أنظر إليه، ثم غاب عني، وتحجب بالبعد والفراق، فسلك لهجرانه سبيلا عرض فيه عاشقيه للتهلكة، إذ بغيبة سواده عن سوادهم تغيب أرواحهم عن أجسادهم، فتهلك نفوسهم، ويقوى بوسهم، ويعيل صبرهم، فإن الفراق، عذاب لا يطاق"(¬2)[64].
صفحہ 34