بدا هذا حوارا مرحبا به. بدا حموه متابعا له. أومأ وعلى وجهه النحيف، الطويل المائل إلى الزرقة الذي ينتمي إلى مرحلة ما بعد الإنسان، كان ثمة آثار من تعبيرات قديمة؛ تعبير من الاهتمام الحاد والمهيب؛ شك في الإعلانات وفي السيارات المستوردة وفي بائعي السيارات. كان ثمة حتى علامة شك - مثلما في الأيام الخوالي - في إمكان الوثوق في ديفيد للتعامل مع أمور كهذه جيدا. وشعر بالراحة أنه فعل ذلك. في نظر حميه، سيظل ديفيد دائما شخصا يتعلم كيف يصبح رجلا، شخصا ربما لن يتعلم أبدا ذلك، ربما لن يتعلم رجاحة العقل والتحكم في تصرفاته أبدا؛ النطاق المناسب للتصرف في الأمور. كان ديفيد، الذي كان يفضل الجين على الويسكي، يقرأ الروايات، ولم يكن يفهم في أمور البورصة، وكان يتحدث إلى النساء، وكان قد بدأ حياته المهنية معلما. ديفيد، الذي كان يقود دوما سيارات صغيرة، سيارات مستوردة. لكن لم يعد في أي من هذا مشكلة الآن. لم تعد السيارات الصغيرة تشير إلى الأشياء التي كانت تشير إليها عادة. حتى هنا على الأجراف فوق بحيرة هورون في أقصى أطراف الحياة، حدثت بعض التغيرات، بعض التحولات التي فهمها رجل لم يعد باستطاعته الاستيعاب أو الرؤية. «هل سمعت عن السيارة لادا؟»
من حسن الطالع أن لديفيد زميل عمل يمتلك سيارة من طراز لادا، وقد تحدث إليه خلال العديد من فترات الراحة المملة لتناول الغداء أو القهوة عن مواطن القوة والضعف فيها وصعوبة الحصول على قطع غيارها. ذكر ديفيد هذه الأشياء، وبدا حموه راضيا عن ذلك. «جراي. دورت، جراي-دورت. من أولى السيارات التي ظهرت. في شارع يونج. ستون ميلا. ستون ميلا. في الساعة.»
قالت ستيلا بعدما أدخلا أباها والزجاجة إلى غرفته، وودعاه، وكانا يتحدثان وهما يسيران عبر الممرات الخضراء: «قطعا لم يقد سيارة جراي-دورت قط في شارع يونج بسرعة ستين ميلا في الساعة ... قط. سيارة جراي-دورت؟ كانوا قد توقفوا عن إنتاجها قبل وقت طويل من امتلاكه المال الكافي لشراء سيارة. ولم يخاطر قط بقيادة سيارة شخص آخر. ليس هذا إلا محض خياله هو. لقد بلغ مرحلة يعيد فيها خلق الوقائع؛ إصلاح الماضي بما يجعل أي شيء كان يرغب في حدوثه واقعا. أتساءل عما إذا كنا سنبلغ هذه المرحلة؟ عم سيدور خيالك يا ديفيد؟ لا، لا تخبرني!»
قال ديفيد: «ما تصوراتك أنت؟» «أنك لم ترحل؟ أنك لم ترد أن ترحل؟ أراهن أن ذلك هو ما تظن أنها تصوراتي، لكنني لست متأكدة تماما أن هذا صحيح! كان أبي سعيدا جدا لرؤيتك يا ديفيد. يعني الرجل أكثر بالنسبة لأبي. أعتقد أنه إذا كان قد حدث نفسه بشأنك وشأني، فسيختار أن يأخذ جانبي، لكن أفضل شيء أنه لم يفكر في الأمر.»
بدت ستيلا، في نزل المسنين، كأنها استعادت بعض رقتها ورشاقتها التي كانت تتمتع بها في الماضي. أعادت لفتات الاهتمام بأبيها، بل حتى بهؤلاء المقعدين على كراسي متحركة، أثرا من البهاء المهيب إلى حركاتها، الأسى إلى صوتها. كان ديفيد يمتلك صورة لها عمرها اثنا عشر أو خمسة عشر عاما. كانت قادمة عبر حديقة في حفل بإحدى ضواحي البلدة، وهي تحمل طاجن طعام. كانت ترتدي فستانا صيفيا مكشوفا. كانت تزعم دوما في تلك الأيام أنها كانت بدينة جدا لدرجة أنها لا تستطيع أن ترتدي بنطالا، على الرغم من أنها لم تكن في نصف بدانتها الآن. لماذا كانت هذه الصورة تسره كثيرا؟ ستيلا آتية عبر الحديقة، بشعرها الذي يتخلله ضوء الشمس - جعلته خصلاته الرمادية يبدو أشقر بصبغة رمادية - وكتفيها العاريتين المائلتين للسمرة، ملقية التحيات على من يجاورها، ضاحكة، مشيرة إلى بعض الأخطاء الطفيفة في طهي الأطعمة. بالطبع كان الطعام الذي جاءت به إلى الحفل رائعا، ولم تجلب الطعام فقط بل جلبت معها الروح المنشودة في الحفل. فمن خلال طبيعتها الاجتماعية ، جمعت الحاضرين. ولم يكن ديفيد يشعر بأي حنق، على الرغم من أنه في بعض الأوقات، بالتأكيد، كانت هدايا ستيلا هذه تسبب له الحنق. كان حنقها الحماسي، ومبالغتها، ومناشداتها المازحة البريئة من أجل التعاطف يثير حنقه. وحتى تسلي الآخرين، كان قد سمعها تختلق قصصا من حياتهما؛ سوء تصرفات واستفزازات الأطفال اليومية، زيارة الطبيب البيطري من أجل علاج القط، المتاعب التي صادفها ابنها في أول مرة يشرب فيها الخمر، تعطل آلة جز الحشائش المدارة بمحرك، لصق ورق الحائط في القاعة العلوية. زوجة ساحرة، شخص رائع في حفل، تمتلك طريقة مسلية للنظر إلى الأشياء. في بعض الأحيان تثير الشغب. «زوجتك تثير الشغب.»
حسنا، سامحها على ذلك - فقد كان يحبها - بينما كانت تسير عبر الحشائش. في تلك اللحظة، كان يلمس بقدمه العارية على السمانة الباردة البنية الحليقة والحساسة، لزوجة جار آخر، التي كانت قد خرجت لتوها من المسبح ولبست رداء طويلا قرمزيا مغطيا لجسمها. امرأة ذات شعر أسود، بلا أطفال، مدخنة شرهة، تميل - على الأقل في تلك المرحلة من علاقتهما - إلى لحظات صمت محيرة. (كانت هذه هي المرأة الأولى التي يقيم علاقة معها أثناء زواجه بستيلا. روزماري، اسم غامض عذب، على الرغم من أنها امرأة شديدة الابتذال.)
لم يكن الأمر هكذا فقط. الإعجاب غير المتوقع بستيلا على طبيعتها، الشعور غير المعتاد بالسلام معها، لم يتأت من خلال ذلك فقط؛ الحركة المحرمة لإصبع قدمه الكبير. بدا الأمر عميقا، هذا الكشف عن علاقته هو وهي، كيف كانا مرتبطين معا على الرغم من كل شيء، وكيف ملأته دوما المشاعر الخيرة تجاهها، كان ما يفعله سرا من جانبه يجري بمباركتها بشكل أو بآخر.
لم يبد أن هذه فكرة كانت ستيلا تشاركه فيها على الإطلاق. ولم يكونا مترابطين هكذا، أو إذا كانا كذلك، فكانت رابطة أراد أن يتخلص منها. قالت له ستيلا ذات مرة: قضينا وقتا طويلا معا، ألا نستطيع فقط أن نستمر في ذلك؟ محاولة أن تجعل من الأمر مزحة. لم تفهم، ربما لم تفهم بعد، كيف كان ذلك من الأشياء التي جعلت الأمر مستحيلا. كانت المرأة ذات الشعر الأبيض السائرة إلى جواره في نزل المسنين تجرجر حملا ثقيلا معها، حملا لا يقتصر على أسراره الجنسية بل يشمل تأملاته في منتصف الليل حول الرب، آلام صدره التي تعود إلى أسباب نفسية، حساسية الهضم لديه، خطط هروبه، التي شملتها ذات مرة وكانت تتضمن الهروب إلى أفريقيا أو إندونيسيا. بدت حياته العادية والاستثنائية - حتى بعض الأشياء التي كان من غير المحتمل أن تعرفها - مخزنة داخلها. لم يكن يستطيع الشعور بأي نوع من الخفة، بأي نوع من التحرر السري والمنتصر، مع امرأة تعرف عنه الكثير. كانت تعرف عنه أكثر مما ينبغي. على الرغم من ذلك، وضع ذراعيه حول ستيلا. تحاضنا، بإرادة الجانبين.
كانت شابة صغيرة، صينية أو فيتنامية، ضئيلة الحجم كطفلة في زيها ذي اللون الأخضر الفاتح، واضعة أحمر شفاه ومساحيق على خديها، آتية عبر الممر، تدفع عربة. كان على العربة أكواب ورقية وحاويات بلاستيكية من عصير البرتقال والكرم.
كانت الفتاة تنادي، بصوتها الرخيم الصافي العفوي قائلة: «وقت تناول العصير ... وقت تناول العصير. برتقال. كرم. العصير.» لم تر ديفيد وستيلا، لكن ابتعد كل منهما عن الآخر، وواصلت هي السير. شعر ديفيد بعدم راحة طفيفة، طفيفة جدا، لرؤيته من جانب شابة صغيرة وجميلة كهذه في أحضان ستيلا. لم يكن ذلك شعورا مهما - فقط مر به وانقضى - لكن ستيلا، بينما كان لا يزال يمسك بالباب مفتوحا لها، قالت: «لا عليك يا ديفيد. يمكن أن أكون أختك. ربما تهدئ من روع أختك. أختك «الكبيرة».» «السيدة ستيلا، قارئة العقول المعروفة.»
نامعلوم صفحہ