كان يعلم أن إدجار سيقبل بأي خطة في تلك اللحظة. لم يكن إدجار يعرف أي شيء عن تورونتو بعد، على الرغم من هذا الاختلاق السريع لقصة وجود أخت وزوج أخت له. كان إدجار جالسا هنا على المقعد في المحطة، وفكره مشغول بفكرة قدوم القطار وصعدوهما على متنه. دوي صوت الصافرة ، الرحيل؛ الهروب. الهروب مثل انفجار، يحررهما. لم يتخيل نفسه هو وسام وهما يخرجان من القطار، حاملين كيسيهما الورقيين، في مكان جديد صاخب، مزدحم، مثير للأعصاب، غريب تماما. كان سام أفضل حالا خاصة بعد أن صارت لديه خطة مبدئية. إذا كانت قد خطرت له فكرة من السماء، فلم لا تخطر له فكرة أخرى؟
بعد برهة، بدأ الأشخاص الآخرون في التجمع، انتظارا للقطار. سيدتان متأنقتان ذاهبتان للتسوق في ستراتفورد. كانت قبعاتهما القشية المزخرفة تشير إلى أن الصيف قد اقترب. رجل شيخ يرتدي بذلة سوداء لامعة حاملا صندوقا من الكرتون المقوى ملفوفا بحبل. كان الصبية الذين كانوا يتجولون هنا وهناك ولم يذهبوا إلى أي مكان يستعدون لوصول القطار؛ جالسين جميعا معا في نهاية الرصيف، مدلدلين أرجلهم. كان يوجد كلبان يجوبان رصيف القطار على نحو شبه رسمي، يتشممان حقيبة سفر وبعض الطرود، ينظران إلى عربة الأمتعة، بل كانا ينظران إلى أسفل في اتجاه القضبان كما لو كانا يعرفان مثل الجميع من أي اتجاه سيأتي القطار.
بمجرد سماعهما الصافرة تنطلق عند الطرق المتقاطعة غرب البلدة، نهض سام وإدجار ووقفا على حافة الرصيف. عندما وصل القطار، بدت إشارة طيبة جدا أنهما كانا قد اختارا الوقوف في الموضع نفسه الذي نزل فيه المحصل، حاملا معه سلما صغيرا. وبعد أن قضى وقتا طويلا في مساعدة امرأة، معها طفل رضيع وحقيبة سفر وطفلان، على ركوب القطار؛ استطاعا هما الركوب. سبقا السيدتين اللتين كانتا ترتديان القبعات الصيفية، والرجل الذي كان يحمل صندوقا، وكل من كان واقفا على الرصيف. لم ينظرا خلفهما البتة. سارا إلى نهاية عربة القطار شبه الخالية واختارا أن يجلسا حيث يكونان متقابلين، على جانب القطار الذي كان يطل على السياج الخشبي، لا على الرصيف؛ السياج الخشبي نفسه الذي كانا يحملقان فيه لأكثر من ثلاثة أرباع ساعة. كان عليهما أن يجلسا في مكانهما دقيقتين أو ثلاث دقائق بينما كانت هناك الجلبة المعتادة خارج القطار، النداءات التي توحي بالأهمية، وصوت المحصل وهو يقول: «اصعدوا!» على نحو حول الكلمة من صوت إنساني إلى صوت قطار. ثم بدأ القطار في الحركة. كانا يتحركان. كانت ذراع كل منهما ما زالت تحيط بكيس بني بينما تمسك اليد الأخرى بالتذكرة. كانا يتحركان. شاهدا ألواح السياج مما يدل على حركة القطار. اختفى السياج بالكامل عن أنظارهما، وكانا يمران عبر ضواحي البلدة الآخذة في التضاؤل في الحجم؛ الأفنية الخلفية، السقائف الخلفية، الشرفات الخارجية الخلفية، أشجار التفاح الآخذة في الإزهار. زهور الليلك التي فرقتها القضبان، وأخذت تتحرك في جنون.
بينما كانا ينظران من النافذة، وقبل أن تغيب البلدة تماما عن الأنظار، جلس صبي على المقعد الموجود على الجانب الآخر من الممر الفاصل بين المقاعد. كان سام يرى أنه أحد هؤلاء الصبية الذين كانوا يتسكعون على الرصيف الذي انسل إلى القطار، أو تحايل على نحو ما للركوب دون دفع الأجرة، ربما للذهاب إلى ملتقى الطرق. دون أن يدقق فيه، أخذ فكرة عامة عن مظهر الصبي، الذي كان يرتدي ملابس رثة وغير مهندمة جدا بحيث لا يمكن أن يكون ذاهبا في رحلة سفر حقيقية. ثم نظر إليه، ورأى أن الصبي كان يحمل تذكرة، مثلما كانا يحملان.
في ليالي الشتاء عندما كانوا يسيرون إلى حلبة التزلج، لم ينعما النظر بعضهم في بعض كثيرا. في ضوء مصابيح الشارع، كانوا يشاهدون ظلالهما المتحولة على الثلج. داخل الحلبة، كان القمر الاصطناعي يبدل الألوان ويخفي بعض المناطق على نحو شبه كامل؛ لذا، لم ترسل الملابس التي كان هذا الصبي يرتديها أي رسالة خاصة يمكن أن يتلقياها. اللهم إلا أنها لم تكن الملابس المعتادة في رحلة سفر؛ حذاء مطاطي طويل العنق، وبنطال ثقيل عليه بقع زيت أو طلاء، وسترة قصيرة ممزقة تحت إحدى الأذرع وثقيلة أكثر مما ينبغي بالنسبة إلى طقس اليوم، وقبعة كبيرة غير ملائمة.
كيف مرت كالي على ناظر المحطة وهي مرتدية تلك الملابس؟ ناظر المحطة نفسه الذي كان ينظر إلى سام وإدجار على نحو متفحص - والذي كان يريد أن يعرف أين كانا يخططان أن يمكثا ومن كانا سيقابلان - سمح لهذه الفتاة الغريبة ، القذرة، رثة الثياب، المتنكرة في شكل صبي بشراء تذكرة (إلى تورونتو؛ كان هذا تخمين كالي، وكان تخمينها صائبا) والسير إلى الرصيف دون أن يتوجه أحد إليها بكلمة، بسؤال. ساهم هذا في شعور الصبيين، عندما تعرفا عليها، بأنها كانت تمتلك قوى لا تقل عن كونها قوى سحرية. (ربما شعر إدجار، على وجه الخصوص، بذلك.) كيف عرفت بالأمر؟ ومن أين حصلت على المال؟ وكيف جاءت إلى هنا؟
لم يكن أي من ذلك مستحيلا. عادت حاملة البقالة وصعدت إلى السقيفة. (لماذا؟ لم تقل.) وجدت الرسالة وحزرت في الحال أنهما ما كانا ليعودا إلى موطنهما وما كانا ليوقفا سيارة على الطريق السريع ليركباها إلى المكان الذي سيتوجهان إليه. علمت بموعد رحيل القطار. كانت تعرف وجهتي القطار، ستراتفورد وتورونتو. سرقت المال من أجل شراء تذكرتها من الصندوق المعدني الموجود تحت كتب الترانيم عند مقعد البيانو. (لم تكن الآنسة كرناجان، بالطبع، تثق بالبنوك.) عند وصولها إلى المحطة وشراء تذكرتها، كان القطار قادما وكان لدى ناظر المحطة الكثير من الأشياء التي تشغله؛ فلا يوجد وقت لطرح الأسئلة. كان ثمة الكثير من الحظ - توقيت محظوظ وتقدير محظوظ في كل خطوة - وكان هذا كل ما في الأمر. لم يكن في الأمر أي قوى سحرية.
لم يستطع سام وإدجار التعرف على الملابس، ولم يكن ثمة حركة أو إشارة خاصة نبهتهما. الصبي كالي جلس ناظرا من النافذة، يشيح برأسه بعيدا عنهما قليلا. لم يعرف سام متى عرف تحديدا للمرة الأولى أن الصبي لم يكن إلا كالي، أو كيف جاءت تلك المعلومة إلى ذهنه، وما إذا كان قد نظر إلى إدجار أم كان يعرف ببساطة أن إدجار عرف الشيء ذاته وفي الوقت نفسه. بدت تلك المعلومة طائرة في الهواء، في انتظار من يمسك بها. مروا بممر طويل، تكسو جانبيه الحشائش، وعبروا جسر سيدار بوش، الجسر نفسه الذي تحدى صبية البلدة بعضهم بعضا في تسلقه والتعلق بالدعائم تحت العوارض بينما يمر القطار فوق رءوسهم. (هل كانت كالي ستفعل ذلك إذا تحدياها في فعل ذلك؟) بحلول وقت عبور هذا الجسر، عرفا كلاهما أن كالي هي من كان يجلس إلى الجانب المقابل منهما. وكل منهما كان يعرف أن الآخر يعرف.
تحدث إدجار أولا. قال: «هل تريدين الانتقال والجلوس إلى جانبنا؟»
نهضت كالي وسارت عبر الممر، جالسة إلى جانب إدجار. كانت لا تزال تتصنع نظرة الصبي؛ نظرة ليس فيها ذلك المكر أو الميل إلى العراك اللذان يميزان نظرتها المعتادة. كانت صبيا ظريفا، هادئ المحيا.
نامعلوم صفحہ