الله يطيل عمر الملك إدورد،
ليحيا الملك إلى الأبد.
وبهذا تم تتويج الملك إدورد على الطرق التي اتبعها الإنكليز في تتويج ملوكهم السابقين.
وأما ولي عهد إنكلترا فقد أعطي هذا اللقب في حفلة رسمية جرى عليها جلالة والده الملك مجرى غيره من الملوك القدماء، فقلد ولي عهده سيفا وألبسه تاجا بسيطا، ووضع في يده خاتما وعصا من الذهب ثم أعلن أنه جعله أمير ويلس، وانتهى بذلك الاحتفال في حضرة الوزراء ومشيري الدولة وكبراء البلاط، وهذا كله كما قلنا من العوائد القديمة ورثها الإنكليز عن الأجداد واحتفظوا بها وهم أشهر أمم أوروبا في المحافظة على المبدأ القديم.
إدورد السابع ملك الإنكليز.
ولا ريب أن بين القراء عددا كبيرا لا يعرف معنى تلقيب ولي العهد في إنكلترا بهذا اللقب، وحقيقة الأمر أن ويلس بلاد في الشمال الغربي من إنكلترا كانت في الزمان السابق إمارة مستقلة ولها أمير مستقل وبأس في الحروب مشهور، فحاربها إدورد الأول ملك الإنكليز وانتصر عليها وضمها إلى ملكه وقتل أمراءها فما بقي منهم واحد، ولكنه رأى من أهلها عنادا وميلا عن الخضوع لوال إنكليزي، فجمع إليه مشايخ ويلس وكبارها وقال لهم: إني أريد معاملتكم بالحسنى، فهل إذا عينت لكم أميرا لم يشب شرفه عيب، وهو لا يعرف من الإنكليزية كلمة واحدة تقبلونه؟ قالوا: نعم، قبلنا وعلى هذا الشرط خضعنا، فلما استوثق الملك منهم أرسل في الحال وراء قرينته الملكة وهي حامل وأقام معها في قلعة كارنارفون في ويلس فولدت غلاما فرح به الملك ثم دعا كبراء الإمارات مرة أخرى، ولما اجتمعوا جاء لهم بالطفل وقال لهم: قد جعلت لكم أميرا لم يشب شرفه عيب ولا يعرف من لغة الإنكليز كلمة، وهو ابني هذا فما قولكم فيه؟ فرأى القوم أن الملك لم يخلف الوعد وأن وصفه ينطبق على الطفل، فأذعنوا ولقب ابن الملك بأمير ويلس، ومن ذلك الحين صار أكثر أمراء إنكلترا الذين ولدوا ليرثوا العرش يعرفون باسم برنس أوف ويلس.
وأما وارثو التيجان في الممالك الأخرى فبعضهم يعرف بالاسم المعين، والبعض الآخر له أسماء أو ألقاب ترد إلى مواضع معلومة ويرثها عنهم أمير بعد أمير، من هذا القبيل ولي عهد البورتوغال اسمه في جميع الأوقات أمير القنطرة، وولي عهد إيطاليا اسمه أمير نابولي، وولي عهد اليونان أمير سبارطة، وولي عهد إسبانيا أمير أستورياس كلها مواضع في بلاد القوم معروفة.
وأما الباقون فيعرفون بأسمائهم الصحيحة أو بأسماء وظيفتهم، فإن ولي عهد روسيا اسمه تساروتش أو ابن النسار، وهو لفظ مسكوبي معناه الإمبراطور، وولي عهد النمسا يعرف باسمه الصحيح وهو اليوم الأرشدوق فردناند، والباقون مثل ولي عهد ألمانيا والدنمارك والسويد وهولاندا والبلجيك يعرفون باسم ولي العهد أو الاسم الصحيح، وكل ذلك تتبع فيه العوائد القديمة؛ لأن الملوك والأمراء في هذا الزمان يرون كل الفخر والشرف في البقاء على عوائد الأجداد الكرام، ولا عجب فإنهم ورثوا عن أجدادهم أثمن ما في الوجود، فليس يكثر عليهم أن يفخروا بعوائد أولئك الأجداد.
لندن
وصلت مدينة لندن بعد سفر سبع ساعات ونصف من باريس عن طريق كاليه ودوفر، وحالما وطئت أرض الإنكليز في دوفر شعرت كما يشعر كل مسافر غيري يلاحظ الأمور أنني في أرض رقتها الحضارة، وبين قوم صاروا إلى أعلى درجات العز؛ فإن الأشياء تجري هنالك على نظام ودقة غريبين معهما وقار وترفع كثير، فالمحطة حافلة بمئات المسافرين والخدمة في كل الجوانب واقفون، ولكن كثرة الزمان وتعدد القطر لا توجب اضطرابا ولا تسبب ضجة ولغطا، فلا صفارة تنبئ عن قيام القطار ولا حارس يصيح في الناس أن ارفع رجلك أو «المسافر يركب»، ولا جرس يطن ولا راكب يزن أو يدن، والكل يسيرون من باب المحطة إلى نافذة التذاكر يبتاعون منها أوراق السفر ويبرحونها إلى عربات القطار بكل احتشام ووقار، حتى إذا دنت لحظة المسير قام القطار يسير حثيثا بين سهول تظهر عليها آثار الاجتهاد ومزارع صيرتها يد الإنسان جنات تجري من تحتها الأنهار بعد أن كانت بركا للماء الآسن أو ركاما قاحلة لا يستفيد منها الإنسان، وقد رصعت الأرض إلى الجانبين بحصى تمنع عن الناس الغبار وقامت إلى جانب الخط من هنا ومن هنا أبنية ومساكن ومعامل ومغازل لا عداد لها، وشقت الوهاد والنجاد في كل موضع قضبان الحديد تسير عليها الأرتال في الطول والعرض، فبينا أنت راكب في قطارك تسير بسرعة تخطف الأبصار ترى قطارا يلي قطارا قادما من الجهة المقابلة على خط محاذ للخط الذي أنت فيه، وترى قطرا أخرى تعترض الخطوط من كل جهة فلا يكاد القطار الذي أنت فيه يجتاز نقطة من الأرض حتى تمر فوقها القطر الأخرى، وإذا تأخر لحظة عن موعده اصطدم بغيره لكثرة القطر الناشئة عن الحركة التجارية الهائلة في هذه البلاد العظيمة، ويتفق أحيانا أنك تأتي موضعا تمر فيه فوق جسر من الحديد عظيم فترى من تحت الجسر قطرا أخرى سائرة سير قطارك وقطرا غيرها آتية من كل الجوانب متقابلة متعارضة فتعتريك حيرة من بلوغ الحركة التجارية هذا المبلغ العظيم إذا كنت لم تشهد مثلها من قبل. وفوق هذا فإن الوقت الثمين في بلاد الإنكليز لا يضيع منه لحظة والزمان عندهم ذهب على ما جاء في بعض أقوالهم المتعارفة، فهم إذا جاءت الباخرة بمن فيها من الخارج وألقت رحلها في ميناء دوفر على مثل ما ذكرنا؛ قام الركاب في القطار على عجل ولم يكن لعمال البريد في مدينة دوفر أن يرتبوا الكتب والرسالات الأخرى ترتيبا يسهل معه توزيعها، وليس يجوز أن يترك البريد على حاله حتى يرتب ويوزع في مكاتب لندن؛ لأن أشغال البريد فيها تفوق الحصر والتصديق بسبب الملايين الكثيرة التي تقطنها، وهي أعظم مدائن الأرض طرا وأكثرها حركة وعلاقات بالبلاد الأخرى؛ فلذلك ترى في القطار عربات طويلة خصت بعمال البريد يرتبون الرسالات فيها، والقطار سائر في سبيله فإذا وصل لندن كانت رسائل البريد حاضرة للتوزيع بلا إمهال، وفي هذا من التسهيل على أصحاب الأعمال وإتقان العمل ما لا يخفى على البصير، وهم يأتونه في كل الخطوط الإنكليزية المشهورة.
نامعلوم صفحہ