وحمل عليهم شبيب وهو يقول: «لا حكم إلا للحكم الحكيم، اثبتوا إن شئتم.»
قالوا: وجعل سعيد يجمع قومه وخيله ثم يدلفها في إثره وهو يقول: «ما هؤلاء؟ إنهم أكلة رأس؟»
ولم يلبث شبيب أن شد عليهم فهزمهم، وثبت سعيد بن مجالد وظل ينادي أصحابه: «إلي، إلي، أنا ابن ذي مروان!»
قالوا: «فأخذ قلنسوته فوضعها على قربوس سرجه، وحمل عليه شبيب فعممه بالسيف فخالط دماغه فخر ميتا .»
وهكذا هزم الجيش وقتلوا كل قتلة حتى انتهوا إلى الجزل، وقد قاتل الجزل قتالا شديدا حتى حمل من بين القتلى جريحا. ثم كتب إلى الحجاج بما حدث.
كتاب الجزل إلى الحجاج
أما بعد، فإني أخبر الأمير - أصلحه الله - أني خرجت فيمن قبلي من الجند الذي وجهني فيه إلى عدوه، وقد كنت حفظت عهد الأمير إلي فيهم ورأيه؛ فكنت أخرج إليهم إذا رأيت الفرصة، وأحبس الناس عنهم إذا خشيت الورطة، فلم أزل كذلك.
ولقد أرادني العدو بكل إرادة فلم يصب مني غرة، حتى قدم علي «سعيد بن مجالد» رحمة الله عليه، ولقد أمرته بالتؤدة ونهيته عن العجلة، أمرته أن لا يقاتلهم إلا في جماعة من الناس عامة فعصاني وتعجل إليهم في الخيل، فأشهدت عليه أهل المصرين أني بريء من رأيه الذي رأى، وأني لا أهوى ما صنع، فمضى فأصيب - تجاوز الله عنه - ودفع الناس إلي فنزلت ورفعت لهم رايتي وقاتلت حتى صرعت، فحملني أصحابي من بين القتلى، فما أفقت إلا وأنا على أيديهم - على رأس ميل من المعركة - فأنا اليوم بالمدائن في جراحة قد يموت الرجل من دونها ويعافى من مثلها.
فليسأل الأمير - أصلحه الله - عن نصيحتي له ولجنده، وعن مكايدتي عدوه، وعن موقفي يوم البأس، فإنه يستبين له - عند ذلك - أني قد صدقته ونصحت له، والسلام.
كتاب الحجاج إلى الجزل
نامعلوم صفحہ