وقد بينا في غير هذا الموضع: أن هذا التجريد الذي ادعوه هو من جنس تجريد النوع عن الأشخاص، وتجريد الجنس عن الأنواع، وأنه تجريد ذهني اعتباري، لا أنه في الخارج شيء هو كذلك، وإنما اشتبه عندهم من حيث: أن نفوسنا تفارق أبداننا بعد مقارنتها. ولكن هذا التجريد، وهذه المقارنة لا توجب صحة قولهم: بأن تلك المجردات لا داخل العالم ولا خارجه، وإنما وقع اشتراك في الألفاظ. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
ثم الجوهر الموجود الذي هو الجسم جعلوه أيضا مركبا من مادة وصورة، وجعلوا الجوهر ينقسم إلى مقارن ومادة وصورة وجسم، والأعراض إما تسعة وإما خمسة وإما ثلاثة، على ما قد بين في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن هذا الموجود الذي هو موضع العلم الإلهي الناظر في الوجود ولواحقه: هو مورد التقسيم بين الموجودات، فلا بد أن يكون صادقا عليها على واجبها وممكنها وعلتها ومعلولها، فلم يمكن أن يكون مطلقا لشرط الإطلاق؛ لأن شرط الإطلاق ينافي أن توصف به المعينات، أو أن تحمل على هذا وعلى هذا، فجعلوا الوجود الواجب هو الواجب بشرط الإطلاق؛ فإن ذلك لا يصدق على شيء من الموجودات المعينة، ولكن هذا في الحقيقة تعطيل للوجود الواجب؛ فإن المطلق بشرط الإطلاق قد قرروا في المنطق ما يقوله كل العقلاء، ويعلمون ضرورة أنه لا يوجد خارج الذهن، وإنما يوجد في الذهن. والمطلق بشرط الإطلاق أبعد عن الوجود الخارجي من المطلق لا بشرط. فإذا كان الثاني لا يكون في الخارج إلا معينا؛ فكيف الأول؟ ولو قالوا: إنه المطلق لا بشرط؛ ألزمهم أن يكون هو عين الموجودات الخارجة، وأن يكون موضوع العلم الأعلى هو واجب الوجود؛ فيكون واجب الوجود منقسما إلى هذه الأمور. / (¬1)
صفحہ 106