فإن هذا التفصيل إنما يعلم بالسمع، والله أخبر من خلقه لذلك في ستة أيام، ثم استوائه على العرش بما يقرر ما عرف بالعقل، ويبين مع ذلك ما يعجز العقل عن معرفته؛ إذ الرسل صلوات الله عليهم يبينون محارات العقول لا يأتون بالمحالات من العقول.
فما نفاه أولائك من امتناع قيام الفعل به يبين العقل نقيضه، وأن الحوادث مشهودة شيئا بعد شيء، وحدوث حوادث بلا سبب حادث محال.
فكما يقدر في العالم من أمر حادث لا بد له من سبب حادث، وذلك يقتضي أن تقوم به الأفعال.
ثم إذا قيل: أفعاله لا بد لها من سبب. لم يمكن أن يمنع المنازع تنوع الأفعال وتعاقبها. فإنه غايته أن يدعي: أن ذلك ينافي القدم، أو ينافي وجوب الوجود، وكلاهما باطل مستلزم للترجيح بلا مرجح.
بل من يقول: إن قيام الفعل به ينافي وجوب الوجود؛ يطعن في حجة من يقول: إنه ينافي القدم.
ومن يقول: إنه ينافي القدم؛ يطعن في حجة من يقول : إنه ينافي وجوب الوجود.
وذلك أن كلا الحجتين فاسدة، وصاحبها متناقض فيها، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
وتبين بطلان قول هؤلاء وهؤلاء في نفي الصفات والفعل القائم به، وكذلك قول هؤلاء في قدم العالم.
صفحہ 101