ولكن مع هذا فالدبلوماسية لا تفيده كثيرا كما أن سياسة الشدة لا تنفعه كثيرا، وكان آخر ملك مطلق في العالم اليوم بعد أن قضي على الملكية المطلقة في سيام، ولا يمكنه أن يحافظ على سلطته المطلقة إلا بقدر ما تساعده العوامل الجغرافية وطبيعة الشعب الحبشي، هذا الشعب الواثق من مقدرته الحربية ثقة لا حد لها، وإلا لو كان في وسع هذا الملك المطلق أن يفعل ما يريد لكان قد استطاع أن يقضي على تجارة الرقيق؛ فينقذ بلاده من سمعتها الشائنة في نظر الغربيين والشرقيين، وعلى الأخص وهو يعلم قبل سواه أن بلاده أول مملكة اعتنقت المسيحية! •••
هذا وقد قضى هيلا سيلاسي سني حداثته في بلاط أديس أبابا تحت إشراف النجاشي منليك، وكان زميلا في الدراسة لحفيد منليك اللدج ياسو بإشراف حنا صليب بك مدير معارف الحبشة وناظر مدرستها. ثم عين حاكما لولاية سيدامو، ثم لهرر. وكان الرأس «تفري» يخشى اللدج ياسو، ودبر مؤامرة ضده انتهت بخلع ياسو في 26 ديسمبر سنة 1916، وبتعيين الأميرة أوزير زوديتو إمبراطورة، والرأس تفري نائبا لها ومنفذا لأوامرها، وقامت ثورة في أديس أبابا سنة 1927 ضد الرأس تفري فقمعها.
وتحمس الشبان للرأس تفري، وتظاهروا طالبين تعيينه إمبراطورا، فعين وليا للعهد، على أن أشياع زوديتو، وكانوا يبيتون له مؤامرة، فقاد الرأس جوكسا أوليه زوج زوديتو ثورة، ونشبت موقعة «زربيت» قتل فيها جوكسا، وبعد يومين ماتت زوديتو، وقيل إنها ماتت مسمومة، فنودي بهيلا سيلاسي إمبراطورا.
ويقول الأستاذ أنيس داود أنه لم يكد يتولى الحكم حتى اهتم بإنشاء جيش قوي كامل العدة والسلاح، وأقام له فرقة من الحرس انتخب أفرادها من أقوى شبان الأحباش، وعزل بعض حكام المقاطعات الذين كان يشك في ولائهم له، وعين بدلا منهم من أهله ومن الموالين له. وغضب على الرأس كاسا حينما توهم أن له يدا في هرب اللدج ياسو الذي كان في حراسته، ولكنه عاد فصالحه، واتهم الرأس هيلو أمير قوجام بمؤازرة اللدج ياسو، وحكم عليه بالإعدام، ثم عفا عنه واستبدل الحكم بالأشغال الشاقة إجابة لطلب نيافة الأنبا كيرلس مطران الحبشة، وشطر مقاطعة التجرة شطرين؛ ترك أحدهما للرأس سيوم حفيد الملك يوحنا كاسا أمير المقاطعة الشرعي، وعين لحكم الشطر الثاني الدجاز سيلاسي العدو الألد للرأس سيوم، وانتزع إقليم سيدمام من الدجاز «بورون» وزير الحربية وأبعده إلى مقاطعة العروسي، وعزل الدجاز هبنا ميكائيل حاكم مقاطعة «ليمو».
ولما مات الأنبا متاءوس مطران الحبشة لم يرض أن يعين مطرانا حبشيا كما كان حزب الشبيبة الحبشية يريد، بل أصر على وجوب مراعاة التقاليد القديمة وتعيين مطران قبطي، بشرط أن يعين معه خمسة أساقفة من الأحباش؛ حتى لا تكون السلطة الدينية في يد المطران القبطي وحده، وبهذه الوسيلة ينقي تدخل رؤساء الدين في شئون المملكة وبسط نفوذهم عليها كما كان في الزمن الماضي.
وهذه السياسة كلفت الإمبراطور نفقات طائلة ناءت بها ميزانية الدولة فضلا عن الأموال التي أنفقها على حفلة تتويجه، وعلى شراء الأسلحة الحديثة من كل نوع والذخائر، وعلى البعثات العسكرية التي استقدمها من الخارج لتدريب الجيش.
وقد كانت البلاد قبل اعتلائه العرش يحكمها زعماء ورءوس من الشيوخ المحافظين على التقاليد القديمة، ولكن الإمبراطور هيلا سيلاسي أثار الحماسة في قلوب الشبيبة الحبشية، وقد دفعهم للمطالبة بأن يكون لبلادهم ميناء على البحر الأحمر، وبينما هو يطأطئ رأسه خضوعا للكنيسة القبطية فإنه في الوقت ذاته ينادي بوجوب العطف على الدول الإسلامية وشد أزرها ومناصرتها، ويعمل بنشاط في التقرب بين العنصرين المسيحي والإسلامي، وفي يده الآن مستقبل بلاده، فإن أصر على الاحتفاظ بالاستقلال وعدم التفريط في شيء من حقوق بلاده فإن الرءوس والزعماء الذين يضمرون له الحقد لن يجدوا حجة لإثارة الشعب عليه، أما إذا تهاون ورضي التسليم بما تريده بعض الدول من منح بعض امتيازات سياسية واقتصادية للدول الاستعمارية؛ فإن الحرب الأهلية لا بد أن يندلع لسانها، فتكون عاقبتها أشق من عاقبة الحرب الخارجية. (11) الوزارة الحبشية: أعضاؤها ومستشاروها
تتألف الإمبراطورية من 70 مقاطعة، وهي تحكم حكما إقطاعيا، ولجلالة النجاشي بعض مقاطعات خاصة يديرها مباشرة.
أما حكومة أديس أبابا الإمبراطورية فلها هيمنة عليها على الشئون الخارجية وعلى كثير من مرافق الدولة.
وتؤلف حكومة أديس أبابا من 12 وزارة، ويلحق ببعضها مستشارون أجانب. (1)
نامعلوم صفحہ