كلمة تمهيدية
مقدمة
المسألة الحبشية وجارات السودان
الحبشة والمسألة الحبشية
من تاريخ الحبشة
عصبة الأمم ووظيفتها
قناة السويس، وهل تغلق؟
الغازات والأسلحة الجهنمية
حرب الحبشة وجوها وفصولها
كلمة أخيرة وبيانات
نامعلوم صفحہ
كلمة تمهيدية
مقدمة
المسألة الحبشية وجارات السودان
الحبشة والمسألة الحبشية
من تاريخ الحبشة
عصبة الأمم ووظيفتها
قناة السويس، وهل تغلق؟
الغازات والأسلحة الجهنمية
حرب الحبشة وجوها وفصولها
كلمة أخيرة وبيانات
نامعلوم صفحہ
المسألة الحبشية
المسألة الحبشية
تأليف
عبد الله حسين
كلمة تمهيدية
تحتل المسألة الحبشية الصدر الأول من أخبار الصحف وأنباء المجالس والأندية وتستأثر بالنصيب الأوفى من اهتمام الجمهور، وقد خبرت ذلك بسبب مهنتي؛ فمنذ ظهرت المسألة الحبشية وشغلت أنباؤها الأذهان، رأيت الكثيرين من الفضلاء يزورون مكتبتي ويسألونني عن الكتب المؤلفة في «الحبشة».
المؤلف.
صحيح أن هناك كتبا مؤلفة في هذا الموضوع، ولكنها لا تشفي غليل الطلاب الراغبين في تتبع أخبار الصحف السيارة والوقوف على تاريخ جلي للنزاع الإيطالي الحبشي، وليس في الكتب المؤلفة قبل نجوم النزاع ما يفي بحاجتهم.
جلالة هيلا سيلاسي إمبراطور الحبشة الحالي.
من أجل ذلك توجهت إلى حضرة العلامة الباحث المحقق، والمؤرخ المدقق، والكاتب الكبير، والسياسي المحنك، والوطني الغيور؛ الأستاذ عبد الله حسين المحامي، ورجوته أن يضع للجمهور كتابا في «المسألة الحبشية»؛ لعلمي بأن حضرته قد توافر على البحث فيها خلال تأليفه ذلك الكتاب الفذ النادر المثال «كتاب السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية» الذي يقع في ثلاثة أجزاء، والذي أجمع المطلعون عليه على أنه لا مثيل له فيما صدر من تواليف عن السودان باللغات كلها.
نامعلوم صفحہ
بيد أن الأستاذ المؤلف قد اعتذر بضيق الوقت وبانحراف صحته، فناشدته باسم المصلحة الوطنية أن يلبي طلب الجمهور، فبسط حضرته لي ما ينبغي أن يشتمل عليه كتاب يؤلف في المسألة الحبشية من بيانات وإحصاءات وصور وخرائط وعرض لحالة كل من الحبشة وإيطاليا وعصبة الأمم، وما إلى ذلك من شئون عسكرية واقتصادية وسياسية وعلاقة ذلك بمصر والسودان وأفريقيا، ومثل هذا البحث يحتاج إلى شهور ومراجعات كثيرة، لا يتسع له الوقت.
ولكني ذكرت له أنه يكفي وضع مؤلف يلم بالمسألة الحبشية ويساعد الجمهور على تتبع الأخبار الجديدة؛ لأن من بين القراء من يتعب ويكل ويضل عن مطالعة شتات الأنباء المتناقضة والشروح الناقصة. «الدوتشي» السنيور موسوليني زعيم إيطاليا ورئيس حكومتها.
وبعد إلحاح في الرجاء، تفضل الأستاذ المؤلف فوضع هذا الكتاب وقد أخرجه وافيا ببيان المسألة الحبشية ولا سيما الطور الأخير من أطوارها، وها هو الكتاب قد صدر بحمد الله تعالى. ولا شك في أن القراء سيجدون فيه من الفوائد والبيانات ما سيحملهم على مشاركتنا في شكر حضرة المؤلف على مجهوده، والرجاء في أن يتمكن في القريب العاجل من وضع المؤلفات الأخرى في الحروب الحبشية وفق ما يوده المؤلف من بيان كامل وتحقيق وبالدقة المعروفة عنه في مؤلفاته وكتاباته وبحوثه القانونية المشهورة.
ويجد القارئ في هذا الكتاب بيانات مفيدة عن الحبشة وعاداتها وحكامها وملوكها، وعلاقاتها بغيرها وبإيطاليا والسودان ومصر، وعصبة الأمم ووظيفتها، وقناة السويس ومسألة إغلاقها، والغارات الجوية والغازات الخانقة - وقانا الله شرها، وفضلا عن ذلك فإن حضرة الأستاذ المؤلف يعد أول مؤرخ في العالم قد أرخ الحوادث الأخيرة التي وقعت بين سبتمبر وأكتوبر سنة 1935، وأرجو أن يوفقه الله إلى تأريخ الحوادث التالية.
والله أسأل أن يمنحه وافر الصحة والعافية، وأن يحفظه ذخرا للعلم، وأن ينفع به البلاد والعباد، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
11 أكتوبر سنة 1935
إبراهيم يوسف
صاحب مكتبة الأهرام بشارع محمد علي بالقاهرة
مقدمة
في أثناء مطالعاتي ومراجعاتي وكتاباتي لتأليف كتابي «السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية»، جعلت نصب عيني أن أحيط بعلاقات السودان بجاراته، ولقد ألفيت للحبشة «إثيوبيا» نصيبا كبيرا من الصلات التاريخية المتواصلة مع مصر والسودان، وأصبح لزاما علي أن أتناول الكلام على «إثيوبيا» بشيء غير قليل من البيان.
نامعلوم صفحہ
الإمبراطورة الحالية وايزو منن.
على أنني رأيت أن تاريخ «إثيوبيا» يتسع أمامي أحيانا وينبهم أحيانا أخرى، ثم تفاقم النزاع بين الحبشة وإيطاليا منذ حادث ولوال إلى اليوم؛ حيث أصبح القتال دائرا فعلا بين الإيطاليين والحبشان في الأرض الحبشية ذاتها ، وأصبحت الحرب بين الفريقين مهددة السلام العالمي كله؛ مما دعا عصبة الأمم إلى موالاة الانعقاد - بلجانها ومجلسها - وحفز إنجلترا للاستعداد الحربى الوافي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت مصر معسكرا حربيا، ويوشك أن تتخذ فيها إجراءات استثنائية تحوطا للطوارئ.
أمام هذا كله رأيت أن الكلام على «المسألة الحبشية» يتناول طورها الحاضر وهو عندي أهم من أطوارها الماضية جميعا؛ لأن الخلاف بين الحبشة وإيطاليا وسواها كان خلافا محدودا، أما الخلاف اليوم فقد أضحى نزاعا دوليا أقلق بال العالم، وأقض المضاجع، وجعل من مصر ميدانا محتملا من ميادين القتال والحرب.
وقد وجب على مؤرخ «المسألة الحبشية» أن يؤرخ الطور الحالي لها، وأن لا يقنع - كما فعل المؤلفون المؤرخون الذين قرأنا كتبهم الجديدة - بالتاريخ الماضي فقط. •••
رأيت عندئذ البحث يتسع والموضوع يتشعب، وأن المسألة الحبشية لا بد أن تكون موضوع كتاب خاص، ولا يكفي لها أن تكون فصلا من فصول كتاب «السودان»، وأن أرجع إلى الصحف في تدوين الأخبار.
وقد حملني دقة البحث وتشعبه وما أصابني من مرض وإعياء بعد تأليف كتاب السودان ثم الإشراف على طبعه، على أن أدع وضع تاريخ للحبشة إلى فرصة أخرى.
وفيما كنت أذكر رأيي هذا أمام أخصائي، رأيت منهم إلحاحا في وجوب مواصلة المجهود وإخراج كتاب في المسألة الحبشية، ولو كان موجزا، على أن يكون البحث في التفاصيل الأخرى وحروب الحبشة موضوع كتاب أو كتب أخرى. وهأنذا أخرج هذا الكتاب شاملا المسألة الحبشية منذ القديم حتى أكتوبر سنة 1935، ومعها بيانات عن الحبشة وإدارتها والفاشستية، وعصبة الأمم، والغازات.
والله أرجو أن يوفقني إلى إفادة القراء، وأن يسبغ علي محبتهم ورضاءهم وعفوهم.
المؤلف
12 أكتوبر سنة 1935
نامعلوم صفحہ
المسألة الحبشية وجارات السودان
يجاور السودان بلاد كثيرة، ومن تمام الكلام عن السودان التحدث عن جاراته، فيحده شمالا مصر - وقد تكلمنا عن علاقاتها بالسودان في أجزاء كتاب «السودان» الثلاثة - ثم طرابلس الغرب، ومن الغرب «واداي» التي أصبحت الآن وبعد توزيع المستعمرات الألمانية جزءا من «أفريقيا الاستوائية الفرنسية»، وفي الجنوب الكونغو البلجيكية، ومستعمرتا أوغندا الإنجليزية وكنيا الإنجليزية، وفي الشرق أريتريا والحبشة.
ولما كانت المسألة الحبشية هي أهم حوادث العالم الحالية، والحرب بينها وبين إيطاليا وشيك الوقوع، فقد أسهبنا الكلام عليها.
طرابلس الغرب
مستعمرة إيطالية، وكانت حتى سنة 1912 ولاية تحت حكم الأتراك، وتقع في أقصى الشمال بين الأمم العربية الشمالية، وتحد من الغرب بتونس وفي الجنوب بصحراء ليبيا وفي الشرق بالقطر المصري وفي الشمال بالبحر المتوسط، وقد وافقت بريطانيا على أن تضم جغبوب وواحة الكفرة إلى طرابلس، وقد قبلت الحكومة المصرية ذلك في مقابل تعديل حدودها عند السلوم، وتبلغ المساحة على وجه التقريب حوالي 500 ألف ميل مربع، ويختلف السكان اختلافا نوعيا في الأصل، والتعداد في سنة 1921 بلغ نحو 550000، منهم 20 ألف أوروبي في القسم المسمى طرابلس، أما في القسم الآخر برقة فبلغ العدد 235000 منهم 10 آلاف أوروبي، وكل جزء له حاكم ومجلس، والقسم الأول عاصمته طرابلس والقسم الثاني عاصمته بنغازي.
واداي من أفريقيا الاستوائية الفرنسية
واداي
Waday
منطقة تقع في أفريقيا الاستوائية الفرنسية بين بحيرة شاد ودارفور، وكانت سلطنة وطنية قوية ولكنها لا تزال نصف مستقلة، وهي بين البداوة والحضارة، وبها واحات خصبة؛ حيث تنمو المحاصيل فيها وفي الجنوب الغابات وعاصمتها أبو شير، وتبلغ مساحة المنطقة حوالي 170 ألف ميل مربع، وعدد السكان 1000000 نفس.
الكنغو البلجيكي
نامعلوم صفحہ
وصفتها الدول الأوروبية كدولة حرة في مؤتمر برلين سنة 1885، وهي مستعمرة بلجيكية كبيرة، ومساحتها تبلغ 900 ألف ميل مربع، وتقع بين الكنغو الفرنسي في الشمال الغربي وأفريقيا الغربية البرتغالية في الجنوب الغربي، وروديسيا في الجنوب والجنوب الشرقي، وتجانيقا وأوغندا في الشرق والسودان المصري الإنجليزي في الشمال الغربي، والشاطئ يمتد نحو 35 ميلا شمال مصب نهر الكنغو، وتقترب في الشرق من: البحيرات، موبرا، تنجانيقا، إدوارد. والإقليم ليس بجبلي، وتتكاثف أشجار المطاط في الغابات السوداء ويقطنها حيوانات كثيرة غريبة، ويوجد بها الماس والذهب والنحاس والقصدير، والقبائل مختلفة وفي بقاع عديدة يعيش الأقزام في الغابات وتتبع إدارتها حكومة بروكسل ويحكمها الحاكم العام للمستعمرة، كما أن الكنغو البلجيكي أهم منبع تستمد منه مادتا الراديوم والكريلت، والسكان حوالي 8 مليون وخمسمائة ألف ، منهم ثمانية آلاف من الأجانب.
أوغندا
تحت الحماية الإنجليزية، وهي في شرق أفريقيا، وتقع على جانبي خط الاستواء، وتحد من الشمال بالسودان، ومن الشرق بمستعمرة كنيا، وفي الجنوب ببحيرة فيكتوريا ومستعمرة تنجانيقا وفي الغرب بالكنغو، المساحة 98776 ميلا مربعا، بما في ذلك 15017 ميلا مربعا يشمل: بحيرات كيوجا، وأجزاء من البحيرات: فكتوريا، إدوارد، ألبرت. وفي الشمال الأرض منبسطة ما عدا في الوسط، والجو حار جاف، وسكانها ثلاثة ملايين ومائة وخمسون ألفا، منهم سبعمائة ألف تابعون لأوغندا وهم مسيحيون نبهاء، والباقي سودانيون وقبائل أخرى، بينما بعض الأقزام التابعون للكنغو يعيشون بالقرب من نهر السمليكي.
كنيا
كانت حتى سنة 1920 تحت حماية شرق أفريقيا، والآن هي مستعمرة إنجليزية تحت الرعاية الإنجليزية، يحدها أرض الصومال الإيطالي، والحبشة بحيرة رودلف وأوغندا وبحيرة فكتوريا، ومستعمرة تنجانيقا والمحيط الهندي، وتغطي الغابات مساحات شاسعة؛ فهي نحو3600 ميل مربع وتحتوي على بعض أنواع الأخشاب المتينة، ومساحتها 245 ألف ميل مربع، ويبلغ عدد السكان نحو مليونين وخمسمائة ألف بما في ذلك نحو عشرة آلاف أجنبي، و22 ألف هندي وعشرة آلاف عربي.
خريطة بلاد الحبشة.
الحبشة والمسألة الحبشية
الحبشة يطلق عليها اسم سويسرة أفريقيا، وهي من وادي النيل العلوي إلى الجزء الجنوبي الغربي من البحر الأحمر، ممتدة جهة المحيط الهندي، وتقع بوجه أصح بين السودان المصري والشاطئ الإيطالي أريتريا، وقد تكونت مناظرها الجبلية الخلابة نتيجة ثوران بركاني شديد، وتنقسم إلى الأقسام الأساسية الآتية: نياجرا في الشمال، وأمهارا في الوسط، وشوا في الجنوب.
وتقع أرض منخفضة جرداء بين الأراضي المرتفعة والبحر الأحمر، تقطنه قبائل مميزة عن الأحباش تمت للمصريين. ومساحتها تبلغ 350 ألف ميل مربع، بما في ذلك أرض الصومال الحبشي؛ وهي عبارة عن هضبة عظيمة يبلغ ارتفاعها سبعة آلاف قدم، ويكون الانحدار نحو ساحل البحر الأحمر شديدا ونحو حوض النيل تدريجيا.
وتنقسم الأرض إلى ما يشبه الجزائر بواسطة مجاري المياه التي نحتت لنفسها في الصخر إلى عمق كبير يصل إلى أربعة آلاف قدم، وقد تصل قمم الجبال إلى علو 15 ألف قدم، وتبلغ درجة حرارة السهول المتوسطة الارتفاع التي تزدحم بالسكان علو 5000-8800 قدم من 77-95 وتنمو فيها النباتات الاستوائية.
نامعلوم صفحہ
وفي أثناء فصل الأمطار الذي يقع من أبريل إلى سبتمبر يغطي الثلج قمم الجبال العالية، ولا يذوب هذا الثلج على علو 13 ألف قدم، وفي وديان الأنهار وفي الأراضي الغدقة تكون الحرارة والرطوبة مميتة وخانقة، وفي الجهات المنخفضة تجاه البحر الأحمر يصبح الجو حارا جافا، ويزرع محصولان أو ثلاثة في بعض الجهات سنويا.
ومن المحاصيل المهمة: الموز، النحيل، القصب، العنب، البرتقال، الليمون، القطن، النيلة البرية، والبن. وتزرع الهضاب العليا القرطم والشعير، ويبلغ سكانها ما بين أربعة وخمسة ملايين بين عناصر مختلفة، وبعضهم يقدر عدد السكان بعشرة ملايين، وليس هناك إحصاء صحيح؛ نظرا لاتساع المساحة وكثرة القبائل، ويقال إن مسلمي الحبشة هو ثلث سكانها. (1) أصول السكان
الأحباش من حيث الدم سلالتان؛ إحداهما: زنجية، لأفرادها كل ملامح الزنوج من الشعر المفلفل إلى الأنف الأفطس، وهؤلاء يسكنون الأقاليم الغربية، وهم متأخرون يمارسون ضروبا من القسوة التي تبلغ التوحش ويزينون أكواخهم بغنائم القتال، والسلالة الثانية: سامية، لها شعر سبط وملامح تقرب جدا من الملامح العربية في الأقاليم الجنوبية من الجزيرة العربية، وهم متمدنون قد ثقفوا شيئا غير قليل من الحضارة، وهم يدينون بالإسلام والمسيحية. أما في الأقاليم الغربية فالمسيحية منتشرة بعض الشيء، ولكن معظم السكان لا يزالون في الوثنية أو هم يؤمنون بالمسيحية مع خلطها بالشعائر الوثنية.
والكنائس كثيرة في الحبشة وكذلك القسوس، ومع أن الكنيسة الحبشية هي إلى الآن تحت رياسة الكنيسة القبطية فإنها تختلف عنها من حيث إنها تبنى مستديرة، والقسيس وقت الصلاة لا يختلط بجمهور المصلين كما هي الحال في الكنائس القبطية في مصر، ولا بد أن هذه التقاليد قد ورثها الأحباش عن اليهود؛ لأن المسيحية دخلت الحبشة حوالي سنة 330 من اليمن في وقت كانت تلبست فيه بالتقاليد اليهودية التي كانت سائدة في اليمن قبل المسيحية، ولقد دارت معارك دموية بين اليهود والمسيحيين يذكرها التاريخ قبل ظهور الإسلام.
والمنازل تبنى مستديرة أيضا في الحبشة، وهي أشبه بأكواخ الزنوج منها بالمعنى الذي نفهمه من المنازل، والمنزل يبنى من القصب أو البوص ويطين من الخارج ومن الداخل، وتزرع حوله الأشجار ويتسلق على جدرانه الفرع فيكسوه ورقه وترقد ثماره على سطحه، وأحيانا تبنى مصطبة داخل المنزل يقعد عليها السكان الذين يعيشون مع الدواجن والماشية في مكان واحد! أما الأغنياء فلا تختلف منازلهم إلا من حيث الملابس؛ فإنهم يشترون الحرير الزاهي ويقتنون السجاد الإيراني ويطرحونه على الأرض في أي مكان للجلوس، ويزينون جدرانهم من الداخل بجلود الأسود والنمور والسيوف وقرون الوعل.
والأحباش لا يعرفون القرى كما نفهمها في مصر؛ فإن الحبشي يعيش وحده في حقله مع زوجته وأولاده لا يجاوره آخر، وقد تتكاثر أسرته فتتألف قرية صغيرة بها عشرة منازل مثلا هم أولاده وأحفاده وزوجاتهم، والزراعة الفاشية عندهم هي زراعة أسلافنا قبل نحو 3000 سنة؛ فإنهم يزرعون الثوم والبصل ويأكلونهما كثيرا، وقد تفشت بينهم زراعة البطاطا والبطاطس هذه الأيام، أما الفواكه فكثيرة وأشجارها تبسق وتشتبك حول المنازل.
1
وقد أخذ الأحباش بكثير من تقاليد الفراعنة، ولا يزال الإمبراطور هيلا سيلاسي يكتب اسمه بالهيروغليفية في خرطوش على نحو ما كان يفعل رمسيس أو توتنخ آمون. (2) الأرض والطقس
وقد نشرت جريدة التيمس بحثا تحت هذا العنوان بقلم الكولونيل س. ل. كراست الذي زار الحبشة لأول مرة وبسط أحوال أراضيها في حالتي الدفاع والهجوم عند القيام بحملة عسكرية في بلاد الحبشة. وقد آثرنا نقل هذا البحث فيما يلي:
في عصر قديم جدا من العصور الجيولوجية اعترى القشرة الأرضية ضعف بين خطي طول 30 و40 شرقا، ولدينا الآن دليل على التشقق الذي حدث إذ ذاك في بعض المظاهر الطبيعية، أهمها الانخفاضات العميقة في البر والبحر، وهي وادي الأردن، الذي يشمل: بحيرة لوط، والبحر الميت، وخليج العقبة، وخليج السويس، والبحر الأحمر، ووادي النيل، الممتد جنوبا إلى البحيرات الكبرى من بحيرة ألبرت في الشمال إلى نياسا في خط عرض 14 درجة جنوبا.
نامعلوم صفحہ
ومثل هذا الاضطراب الواسع المدى في القشرة الخارجية للأرض يؤثر على الأجزاء المجاورة في كثير أو قليل من العنف، ويحتمل أن يكون هبوط الأرض مسئولا عن بروز الهضبة الحبشية.
والمساحة التي تأثرت أكثر من غيرها مباشرة بهذا التشقق تبلغ حوالي 700 ميل من الشمال للجنوب و500 ميل من الشرق للغرب داخل الحدود الحبشية، وهي مساحة تزيد على أربعة أمثال مساحة إنجلترا. وفي الشرق والجنوب الشرقي توجد وديان شاسعة واسعة مفتوحة تتدرج في الارتفاع، محرومة من الماء، مغطاة بالحشائش الغليظة التي يبلغ ارتفاعها حوالي خمسة أقدام، وهي تنخفض بالتدريج إلى الشرق والجنوب الشرقي إلى المحيط الهندي من رأس جاردفوي إلى قمايا على مصب نهر بوبا في الصومال الإيطالي، وهذه الأراضي يخترقها ثلاثة أنهر - نذكرها من الجنوب إلى الشمال - وهي: التوبا، والويبي شبيلي، وتج فافان. ومقطع ويبي معناه المجرى الذي يستمر الماء فيه طول العام، أما «تج» فمعناه المجرى الذي ينحط إلى نهير أثناء فترة الجفاف. ومن هذه الأنهر الثلاثة يرتفع الأولان في جوار بحيرة «شالا» على مستوى تسعة آلاف قدم، بينما ينبع الأخير من جبل مقدس «كوندبودو» وعلوه عشرة آلاف قدم على ثلاثين ميلا شمالي شرق هرز.
تربة هذه السهول التي تعرف محليا باسم مود صلصالية، لونها شديد الحمرة، تختلف كثافتها من مائة قدم بقرب هارجية في الصومال البريطاني إلى قدم واحد أو قدمين على طول ساحل الصومال الإيطالي أو بنادير. هذه حقيقة يجب أن تظل في الذهن؛ وذلك أن الإيطاليين إن كانوا يرمون إلى الحصول على أراض غنية ليقطنوها فإن وديان الحبشة قد تجذبهم؛ لأن هذه الأراضي صالحة لزراعة القطن.
بين خط 10 شمالا وخط طول 40 شرقا وساحل البحر الأحمر، يوجد منخفض صغير يعرف باسم دناكل أو دناجل الشمالية والجنوبية، وعند النهاية الشمالية لهذا الإقليم يقع وادي الملح الكبير أو منخفض دناكل الشمالي الذي ارتاده ورسم خريطته في سنة 1928 المستر نسبت مع اثنين من الرفاق الإيطاليين، وامتحان مسطحات هذا المنخفض قد أظهر مساحة طولها 100 ميل من الشمال للجنوب وخمسين ميلا من الشرق للغرب أقصى عمقها في النهاية الشمالية 400 قدم تحت سطح البحر الأحمر، وهذه هي المساحة الواقعة عند كولولي حيث توجد مناجم البوتاس الإيطالية .
أما مسألة الطقس فإنها جديرة بالنظر فيها باختصار، فمرتفعات الحبشة تقوم إلى علو 12 قدما أو أكثر؛ وتبعا لهذا فإن الإثيوبي الحقيقي الذي يكره الحر يرفض أن يعيش في مكان آخر غيرها أي على علو يزيد على ثلاثة آلاف قدم، وطقس الهضبة والمرتفعات يقارن بطقس إنجلترا في سبتمبر إلا في الفترة بين أبريل وسبتمبر حين يكون موسم الأمطار على أشده وتهب رياح جنوبية غربية شديدة. وفي زمن الصيف تكون البقاع الحبشية التي على علو 3000 قدم في بعض الأحيان حارة ورطبة حتى تأتي زوبعة عنيفة تخفف عن الناس الحر، أما الأراضي الواطئة فإنها على العكس من ذلك حارة لا ترتاح إليها النفس، وبالرغم من أن الهواء قد يترطب وقتا ما بعد المطر فإن هذا يكون على حين أن نتيجة مطر المناطق الحارة تجعل التربة السطحية موحلة والسير فيها متعبا، على أنه مهما يكن من رداءة الطقس في الأراضي الواطئة في الشرق والجنوب الشرقي فإن الطقس في منخفض دناكل أردأ بكثير فإن الرحالة قد سجلت هناك درجات حرارة فوق 155 فرنهيت يوما بعد يوم، ولا يسع الإنسان إلا أن يبدي إعجابه بالإقدام والمثابرة اللذين تحلى بهما هؤلاء الرجال الذين شقوا طريقهم إلى الشمال بقدر يسير من الماء، في هواء مملوء بالغبار ودخان الكبريت، يحيط بهم من كل الجهات بسكان رحل أهم ما يحترفونه الحرب والقتل. (3) اللغات الحبشية
أشهر اللغات الحبشية ثلاث: (1)
اللغة الإثيوبية القديمة: وهي لا تستعمل الآن إلا في الكتابة الأدبية. (2)
اللغة التجرانية: وهي لغة الأريتريا وشمال الحبشة، وهي المستعملة الآن. (3)
اللغة الأمهرية: وهي اللغة الرسمية؛ نسبة إلى أمهرا.
وحروف الهجاء الحبشية مأخوذة من لهجات العرب القديمة؛ مثل: الصابئية، والحميرية. (4) العادات في الحبشة
نامعلوم صفحہ
يجري ختان الطفل الذكر في يومه السابع أيام الأربعاء والجمعة، والأنثى يجري ختانها بعد ذلك، وإذا كانت الأم مريضة ينبغي أن يبقى طفلها دون ختان حتى شفائها.
وينصر الطفل الذكر في اليوم الأربعين وتنصر الطفلة في اليوم الثمانين.
ولا تدفن المرأة في أماكن الرجال، ولا يجوز للرجل أن يشرب البيرة قبل زوجته إذا كانت حاملا؛ لأنها تتألم باشتياقها للشراب.
وعندما يغيب أحد الآباء عن بلده يختار صديقا له لحراسة بيته والإشراف على أولاده.
ويوسط الخطيب أصدقاءه لدى والد الفتاة ليقبل الزواج، ومعظم الآباء يقاسمون بناتهم نصف مهورهم، وتقام أعراس بها مزامير وتنحر الذبائح. (5) المرأة الحبشية
المرأة الحبشية مشهورة بالجمال - وخاصة جمال العينين - وبالجاذبية، ولها أنف دقيق وشفتان غليظتان مستديرتان، وقامة هيفاء.
وطالما كانت بيوت أمراء المصريين الحجازيين والأتراك والأعيان مزدانة بالجواري الحبشيات، وطالما تزوجوا منهن.
والمرأة الحبشية مثال الشجاعة والإقدام والتضحية، وهي تشترك في الحرب مع الرجال، وهي وافرة الذكاء بسيطة الهندام والأثاث.
وفي أديس أبابا جمعية اسمها جمعية نساء إثيوبيا الوطنية، وقد قامت بمظاهرة وحملت لوحة جاء فيها باللغة الأمهرية: «أيها الشبان، انهضوا ولا تخافوا، ودافعوا عن وطنكم، دافعوا إننا سنموت معكم.»
لا تتزوج المرأة الحبشية إلا بإذن أبيها وإلا كانت ملعونة، وهي تشجع بجاذبيتها الشبان على خطوبتها وأحيانا تهرب مع عشيقها.
نامعلوم صفحہ
والمرأة الحبشية تشرب البيرة، وقد يتخذ الرجل الحبشي عشيقة له لمدة سنة - وهي زوجية مؤقتة - وعلى المرأة الحبشية أن تطيع زوجها.
وينتشر البغاء في الحبشة بالرغم من موانع الدين المسيحي، والطلاق كثير، وأكثر بغايا السودان من الحبشيات المهاجرات، وتكثر بينهن الأمراض التناسلية بصورة مخيفة محزنة. (6) ممالك الحبشة وإمبراطورها
الحبشة منقسمة إلى ولايات وممالك صغيرة وقبائل متنازعة، وقلما تهدأ الحالة الداخلية في الحبشة فهناك حروب بين ملوك الحبشة أو بين بعضهم أو بين إمبراطورها.
وقد نادى «ساهالا سيلاسي» ملك شواه وإيفات والجالا سنة 1813 بنفسه ملكا على ملوك الحبشة، وجعل الملك بطريق التوارث في أسرته.
و«ساهالا سيلاسي» الذي ولد سنة 1795 وعين ملكا سنة 1813 ومات سنة 1847 ولد له ستة أولاد، كان منهم «هيلا ملاكوت» الذي ولد سنة 1825 ومات سنة 1885، وخلفه ابنه منليك الثاني الذي ولد سنة 1844، وصار ملكا لشوا سنة 1866، وإمبراطورا سنة 1889، ومات سنة 1913، وتزوج الإمبراطورة كاتو سنة 1883، ولم يرزق منها ذكورا. وقد كان من بناته ثواراجا التي تزوجت الرأس ميكاييل ورزقت بولد اسمه ليج ياسو سنة 1896، وعين إمبراطورا سنة 1913 خلفا للامبراطور منليك إلى سنة 1916، ثم قامت ضده فتنة لأن الأحباش المسيحيين قد اتهموه بأنه يمالئ مسلمي الحبشة ويقربهم، ويؤثرهم وبأنه اعترف بخلافة سلطان تركيا وحالفه وحالف الألمان وأغضب الحلفاء. وقد أعلن مطران الحبشة حرمانه، وهرب ياسو ولكنه لم يذعن لقرار المطران وجمع جيشا وآزره الرأس ميكاييل حاكم ولاية جايا، وقد خلفته الإمبراطورة زوديتو ابنة منليك الثاني التي ولدت سنة 1876 وتوجت سنة 1916، وقد قامت بينها وبين أتباع ياسو والرأس ميكاييل مذبحة عنيفة في ساجال في أكتوبر سنة 1919، وأسرت الرأس ميكاييل وهرب ياسو، وتوجت زوديتو رسميا سنة 1917. (7) الرأس تفري والإمبراطور هيلا سيلاسي
ولد الرأس تفري سنة 1881، وهو ابن الرأس ما كونن بن وازبروتانا أحد أبناء الملك ساهالا سيلاسي.
وعين الرأس تفري وصيا للعرش مع الإمبراطورة زوديتو التي ماتت سنة 1930، حيث توج الرأس تفري إمبراطورا سنة 1930 باسم الإمبراطور هيلا سيلاسي، وقد تزوج سنة 1912 من الأميرة وازيرو منن، وولدت له سنة 1912 ماميتي التي ماتت طفلة، ثم أصفاوصين سنة 1916 وهو ولي العهد الرسمي ولكن أباه الإمبراطور غاضب عليه، وزينب ورك ولدت سنة 1918، ويشي أمابت ولدت سنة 1920، وما كونن ولد سنة 1923 وهو محبوب من أبيه ويقال أنه هو المرشح الحقيقي لولاية العهد، وقد أسماه والده «دوق هرر». ومن الإشاعات التي لم نقف على صحتها أن «زوديتو» ماتت مسمومة ليخلو الجو للإمبراطور هيلا سيلاسي. (8) حول إسلام النجاشي
وقد ذكرت روايات عن إسلام نجاشي الحبشة في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم
الذي أرسل كتابا إلى النجاشي أصحمة، وهذا رده على النبي
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا الله الذي هداني للإسلام، أما بعد، فقد وصلني كتابك يا رسول الله فما ذكرت فيه من أمر عيسى ابن مريم، فورب السماء والأرض إن عيسى ابن مريم لا يزيد على ما ذكرت، ولا علاقة ما بين النواة والقمع، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وشهدنا بأنك رسول الله صادقا مصدقا، وقد بايعتك بواسطة ابن عمك جعفر وأسلمت على يديه لله رب العالمين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ولما قرأ النبي هذا الكتاب قال: «اتركوا الحبشة ما تركوكم.» فمن أجل هذا الأمر هيمن العرب على آسيا وبعض أوروبا، وبلغت طلائع جيشهم أقاصي النيجر وبلاد السنغال والهند وغيرها، ولم يخطر ببال أمراء الإسلام احتلال الحبشة وبسط نفوذهم عليها، بل كانت دول الإسلام وإماراته في سلام ووئام مع الإمبراطورية الحبشية إلى ما بعد القرون الوسطى.
وقد أفتى بعض علماء الصومال الإيطالي ومفتيه بعدم جواز محاربة المسلم للحبشة. (9) الحبشة والجندية
الأمة الحبشية هي أمة جندية، جميع أفرادها على استعداد للقتال، وهو حرفتهم وسجيتهم.
وقد أنشأ الإمبراطور هيلا سيلاسي جيشا باسم الحرس الإمبراطوري قام بتدريبه ضباط سويسريون وبلجيكيون وسويديون، وعدده ستة آلاف، وبه وحدات من البيادة والسواري والطبجية، وله بنادق عصرية ومجهز بمدافع كبيرة وصائدات للطائرات.
ولكل رأس من رءوس الحبشة «حكامها» حرس أو جيش لا يقل عدده عن ربع مليون وجيش غير نظامي لا يقل عن نصف مليون، ولدى إمبراطور الحبشة طائرات وذخائر.
ويقول الأديب محمد عبد الرحيم: ليس للإمبراطورية الحبشية نظام مخصوص للجندية كنظام القرعة العسكرية المصرية أو كنظام التطوع لدى الدول الغربية، بل تطلب الجنود من الولايات، كل بحسب سعة الولاية وضيقها، والجيش العامل في حفظ الأمن في وقت السلم 200 ألف جندي، أما في وقت الحرب فتصبح الجندية فرض عين على كل رجل يستطيع حمل السلاح. والأحباش أكثر العالم شغفا بالحروب وأسرعهم قبولا لويلاتها، وقد دلت التجارب على أن الشعب الحبشي إن هو إلا بركان ثائر يحركه الإمبراطور بسبابته متى شاء، هكذا كان في غارته على مملكة سنار وفي حربه للحملة المصرية التي كان يقودها السردار محمد راتب باشا في سنة 1292، وكذا في واقعة القلابات سنة 1306 وواقعة عدوة في سنة 1895، أما القيادة العامة فللإمبراطور نفسه. والذي يراجع تاريخ الحبشة قل أن يرى إمبراطورا مات حتف أنفه كما حدث للإمبراطور ياهنس الرابع أي «يوحنا» الذي قتله أنصار المهدية وخلافه من أسلافه ؛ إذن فليس بغريب عزم جلالة الإمبراطور هيلا سيلاسي على تولي زمام القيادة في الحرب المزمع نشوبها، فما أجود الجندي بروحه عندما يرى مليكه يسير تحت قساطل الجيوش للذود عن الأمة! ولا غرو أن هذه أعظم محرك لحماس الأحباش في حروبهم المتواصلة التي كانت تكلل بالنجاح.
وقد قرر الإمبراطور إلباس 200000 جندي الملابس العسكرية، وتناول 15000 منهم طعام الغذاء مع الإمبراطور في قصره في شهر أغسطس سنة 1935، وأكثر الجنود حفاة، وأكثر أسلحتهم بنادق قديمة، ولكنهم يجيدون الرماية. (10) ولايات الحبشة
نامعلوم صفحہ
تتألف بلاد الحبشة من ثلاث عشرة ولاية لكل منها ملك يلقب بالرأس، وهو حاكم الولاية القائم بشئونها الإدارية والسياسية تحت إشراف الإمبراطور أو النجاشي، وهناك ألقاب أخرى وهي: دجاج ودجاز وداز جماح دفيتواري وقيفا زماج ... وغير ذلك من الألقاب. وتتألف من تلك الممالك الصغيرة إمبراطورية ذات شأن عظيم، ويلقب الإمبراطور هناك بالنجاشي وهو لقب كلقب بطليموس عند دولة البطالسة، وقيصر عند الروس، وشاه عند العجم، وباي تونس عند التونسيين، وخديوي عند ولاة مصر سابقا. وللحبشة لقب ثان هو منليك إلا أنه يقصر على الملوك من سلالة نبي الله سليمان عليه السلام؛ لأنه تزوج بلقيس ملكة سبأ ولما رزق منها بولد قال لها: «مني إليك.» فمزجت الجملتان فصارت «منليك». وجاء في رحلة الدكتور محمد نيازي الذي كان طبيبا لأحد الآلايات المصرية في سنة 1282ه بالسودان، قال: سمعت من أحد الأطباء الإفرنج يقول إنه قرأ في بعض المؤلفات القديمة أن ذلك المولود الذي هو منليك الأول بن سليمان، كانت بلقيس تخاف عليه من قومها، فبعثته إلى مدينة سوبا ليربى بها وسميت المدينة سبأ، ثم حرف الاسم إلى سوبا لتقادم الزمان، وقد تبوأ عرش الحبشة كثير من الملوك فلا حاجة إلى بيان أسمائهم وزمن ولاية كل منهم تجنبا للتطويل. (11) القضاء في الحبشة
ويقول الأديب محمد عبد الرحيم: «إنه بالرغم عن كساد الثقافة الحبشية وبوار سوق العلوم العقلية والنقلية، فإن القضاء سائر بطريقة كافلة للحقوق المدنية والاجتماعية، والقائمون به يؤدونه بأمانة ونزاهة جديرتين بالإعجاب، حتى كان كل آمنا على حقه وكل بما فعلت يداه رهينا، وما كان للحبشة نواميس شرعية ولا قوانين وضعية فيما يختص بالمعاملات القضائية، بل كان القضاء يسير مع العرف إلى نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، وهناك قام أحد رجال الدين المسيحي المدعو أسعد عسال القبطي ووضع للحبشة قانونا نسقه تنسيقا بديعا، قسمه على قسمين؛ الأول منهما يختص بالكنيسة وتعاليمها الدينية، وقد لخص ذلك من تعاليم المذهب الأرثوذكسي والديانة الإسرائيلية، والثاني في المعاملات وكان مرجعه فيه كتاب «التنبيه» لأبي إسحق الشيرازي في فقه السادة الشافعية، وقد أطلق على هذا القانون اسم «فتانفوس»، وقد صدق جلالة الإمبراطور على المعاملة به في جميع أنحاء الأقاليم الحبشية، أما المسئولون عن تنفيذه في القرى فهم أكبر سكانها سنا وأكثرهم حنكة، وفي العواصم الرءوس ما عدا «أديس أبابا» التي يباشر القضاء فيها جلالة الإمبراطور بنفسه، وهو يجلس في ساحة مكشوفة، ثم ترفع على رأسه مظلة كبرى «شمسية» كملوك الفور وواداي، ويجلس عن يمين الإمبراطور 12 رجلا وعن شماله 12 رجلا من أعيان المملكة الذين يشترط أن يكون فيهم رئيس الكهنة بردائه الكهنوتي، ويحمل القانون المسمى «فتانفوس» كاهن آخر، ثم يؤتى بالمتقاضين فيقفون صفا أمام الإمبراطور على بعد 30 مترا منه، ثم يؤذن لهم في عرض ظلامتهم على هيئة القضاء، فينادي المظلوم بأعلى صوته قائلا: «جاتهوه جاتهوه.» أي: يا حضرة الإمبراطور. يكررها سبع مرات، وذلك بين دائرة من جنود الحرس المدججين بالسلاح، والناس في سكون شامل لهيبته.»
ومن المألوف في الحبشة نظام التحكيم، وكثيرا ما يلجأ المتخاصمان إلى رجل محترم في الطريق يحتكمان إليه وينزلان عند حكمه. (12) إيطاليا والحبشة: الجيش الإيطالي
منذ بعيد تستعد إيطاليا لغزو الحبشة، وقد بلغ ما أرسلته من الجنود إلى أريتريا حتى آخر سبتمبر سنة 1935 ربع مليون جندي إيطالي، مرت من قناة السويس على سفن حربية إيطالية ومعها ستمائة طائرة ومدافع كثيرة رشاشة وسيارات مدرعة، هذا عدا الجيش الإيطالي الذي في شمال إيطاليا وعدده 500 ألف، وعدا الجنود الوطنيين.
بدأت إيطاليا استعمارها الأفريقي بإنشاء شركة إيطالية اشترت ثغرا صغيرا يدعى «عصب » سنة 1869 من شيخها، وكانت من أملاك الباب العالي التركي، فاحتج على هذا البيع وعده باطلا لصدوره من غير مالك، ولكن الشركة الإيطالية «شركة روباتينو» نزلت عن «عصب» إلى الحكومة الإيطالية التي أرسلت بعض التجار الإيطاليين للإقامة بها وعلى رأسهم «الكونت أنتونيللي» الذي عقد مع إمبراطور الحبشة منليك الثاني معاهدة صداقة، واحتلت إيطاليا ثغر مصوع وجزرا غيرها وتألفت مستعمرة أريتريا، منتهزة فرصة الثورة المهدية في السودان وضعف مصر وسعي كل من إنجلترا وفرنسا لتقسيم أفريقيا الوسطى والشرقية، وواصلت إيطاليا احتلال بلاد الحبشة، وطلب الإمبراطور منليك إلى الجنرال جيته الإيطالي إخلاء البلاد وضم منليك «هرر» إلى أملاكه، ووقعت حرب بين الرأس ألولا وهزم الجيش الإيطالي في يناير سنة 1887 على مقربة من دوجالي، فأرسلت الحكومة الإيطالية في أواخر سنة 1887 جيشا عدده 25 ألفا نصفه من الإيطاليين ونصفه من الأهلين واحتل الجيش «صاتي».
وقد حدث في أثناء ذلك أن الملك يوحنا انتفض على الإمبراطور منليك وحارب جنود المهدي عند «القلابات» وقتل في مارس سنة 1888، وانهزمت جنوده بعد انتصارها في حياته.
وقد عقدت إيطاليا مع «منليك» معاهدة أوتشيالي، وبناء عليها قبل الإمبراطور أن تكون حكومة إيطاليا وسيطا بين الحبشة والدول الأجنبية في جميع المسائل.
وقد كتبت هذه المعاهدة من نسختين: نسخة باللغة الحبشية، ونسخة باللغة الإيطالية. والنسخة الحبشية تقول:
يجوز لجلالة الإمبراطور أن يتخذ وساطة حكومة جلالة ملك إيطاليا سبيلا إلى تسوية جميع المسائل المتعلقة بالدول الأجنبية.
فأما النسخة الحبشية فتقول «يجوز»، والنسخة الإيطالية تقول: «يوافق إمبراطور الحبشة ... إلخ.» وقد وقع منليك النسخة الحبشية ولم يوقع على النسخة الإيطالية، وفي 12 فبراير سنة 1893 أبلغ منليك الثاني الدول بأنه غير مرتبط بالمعاهدة الإيطالية التي نشرتها إيطاليا، وفسرتها على أنها جعلت الحبشة تحت حمايتها.
نامعلوم صفحہ
غضبت إيطاليا من الحبشة وزحفت جنودها بقيادة الجنرال باراتيري فاحتلت كلا من بلاد السودان سنة 1894، ثم تقدمت إلى الحدود الحبشية، فانتصرت الجنود الإيطالية على جيش الرأس مانجاشا سنة 1895 واحتلت أديجرات وميكالي وأمبا ألاجي، ولكن منليك تقدم بجيشه ومعه الرأس ما كونن فهزم الجيش الإيطالي شر هزيمة وقتل منه الألوف وغنم ذخائره، وانتحر القائد الإيطالي الماجور توسلي وانسحب الإيطاليون.
وطلب منليك أن تدفع إيطاليا له فورا 25 مليون ريال حبشي حتى يقبل وقف الحرب وعقد الصلح الذي عرضه القائد العام للجيوش الإيطالية في أفريقيا؛ وهو الجنرال باراتيري.
ولكن إيطاليا رفضت الصلح على هذه الشروط؛ فاستعد الجيش الإيطالي للحرب، وقسم نفسه إلى أربعة أقسام أحدقت بها الجيوش الحبشية وهزمتها.
وأعاد براتيري تنظيم الجيش الإيطالي وهجم على «عدوة» التي وقعت فيها الموقعة المشهورة، وقتل الجنرال أريمندي والجنرال دامبراميدا، وأسر الجنرال البريتوني، وأصيب الجنرال أنلينا بجرح خطير، وغنمت الحبشة 72 مدفعا وذخائر وأعلاما إيطالية و7000 أسير، وقتل وجرح 10000 إيطالي.
وهرب باراتيري وواصل منليك زحفه ودخل أريتريا، واستولى على حصن «أدي أوجري» وحاصر الجنرال برستناري وحمله على التسليم في مايو سنة 1896.
وعينت الحكومة الإيطالية الجنرال بالديسيرا، وأراد أن يتقدم بجيش عدده 30000 ألف جندي، ولكنه وجد الهزيمة محققة، وأشار على حكومته بالصلح؛ فذهب وفد إيطاليا في 26 أكتوبر سنة 1896 إلى أديس أبابا، حيث عقدت معاهدة بين إيطاليا والحبشة اعترفت فيها إيطاليا باستقلال الحبشة استقلالا تاما.
على أن الإيطاليين لن ينسوا موقعة عدوة وهزيمتهم الهائلة، ومن أسباب استعدادهم الحربي الحاضر الرغبة في غسل الإهانة التي لحقتهم بهزيمتهم في عدوة.
وقد تسلم منليك غرامة قدرها 700000 جنيه إنجليزي وأطلق سراح الأسرى الإيطاليين، وكان عقد المعاهدة في أديس أبابا في 26 أكتوبر سنة 1896، وعقدت بعدها معاهدات واتفاقات أخرى في صدد تحديد التخوم بين الحبشة وأريتريا. (13) موسوليني والحرب
وقد صرح السنيور موسوليني علنا بأنه يريد الاستيلاء على الحبشة كلها، وأنه لا بد من محاربتها، وأنه لن يمسك عن الحرب أمام أي قرار من عصبة الأمم أو سواها، وأنه لا يمنع الحرب إلا شيء واحد؛ هو أن تسلم الحبشة نفسها لإيطاليا بغير قتال. (14) الاتحاد بين الحبشان
جمعت الحرب الحبشية القادمة بين القلوب المتنافرة وبين رءوس الحبشة المتنافسين وقد تحمسوا للدفاع عن الوطن، وقد عني الإمبراطور بكسب رضاء المسلمين من رعاياه، وقد أصبحوا يدا واحدة مع إخوانهم. (15) الجاليات الأجنبية
نامعلوم صفحہ
بالحبشة جاليات أجنبية من جميع الجنسيات، ومنها جاليات عربية ولبنانية وسوريا ويونانية وأرمنية، وأكثر أفرادها تجار، ومنهم من جمع ثروة كبيرة وأنشأوا المدارس. (16) البعثات في الحبشة
في الحبشة بعثات تبشيرية لمختلف الأديان - ولا سيما البروتستانتية الأمريكية - وبعثات تجارية لمختلف الدول، وقد عقدت البعثة الإنجليزية، التي كان يرؤسها السير رنل رود، معاهدة صداقة مع الحبشة في 15 مايو سنة 1897، وللبعثات مدارس ومستشفيات وملاجئ.
ورأس الدجاز «تاساما» بعثة أوروبية في عضويتها مسيو فايفز ومسيو بوتو السويسري ومسيو أرتومونوف الروسي، واجتازت الحبشة إلى نهر النيل عند مصب نهر السوباط في يونية سنة 1898، وبعد أيام وصل إليه الماجور مارشان الذي صار جنرالا فرنسيا وهو صاحب مسألة فاشودة.
عينت الدول ممثلين لها في العاصمة الحبشية، فكان السير هارنجتن قنصلا جنرالا لإنجلترا فوزيرا مفوضا.
وعقدت بعثة أمريكية سنة 1903 معاهدة تجارية بين الولايات المتحدة والحبشة.
وعقدت بعثة ألمانية سنة 1905 معاهدة تجارية مع الحبشة، وعين وزير مفوض ألماني لدى إمبراطور الحبشة.
وقد وضعت إنجلترا وفرنسا وإيطاليا اتفاقا في ديسمبر سنة 1906، جاء فيه: «إن مصالح هذه الدول الثلاث تقضي بالمحافظة على سلامة أملاك إثيوبيا.» وقضت المادة الأولى من الاتفاق على التعاون بينهم في المحافظة على كيان إثيوبيا من الوجهة السياسية وسلامة أراضيها، ونصت على أنه إذا وقعت طوارئ تخل بالكيان السياسي للحبشة فإن هذه الدول تتفق على صيانة مصالحها الخاصة، وقد تم الاتفاق في شهر يوليو في سنة 1906 وأبلغ في الحال إلى النجاشي، وقد رد الإمبراطور منليك على تبليغ الدول بأنه يشكر لها نياتها الطيبة ويشترط أنه لا يكون من شأن هذه الاتفاقية الحد من حقوق سيادته، ثم عين من شهر يونية سنة 1908 حفيده ليج ياسو وليا لعهده. (17) السكة الحديدية ودوليتها
وقد تقرر في الاتفاقية المذكورة أن تكون السكك الحديدية في الحبشة دولية - وليس في الحبشة سوى سكة حديدية واحدة بين أديس أبابا وميناء جيبوتي الواقع في الصومال الفرنسي - ولا تسير القطارات إلا نهارا، وتقف عند إحدى المحطات ليلا، ويستغرق مسيرها بين جيبوتي وأديس أبابا ستة أيام.
ويقف القطار لأقل سبب كان، ولو كان السائق يريد شرب الماء أو تحية صديق أو الوضوء والصلاة!
وأنشأت هذا الخط شركة فرنسية سنة 1894 منحها النجاشي منليك امتيازا، وساعدتها الحكومة الفرنسية وأتمت الخط الحديدي من جيبوتي إلى ويرة داوي التي تبعد عن هرر بمسافة 28 ميلا سنة 1902، ثم وقف العمل. وتقرر في معاهدة 13 ديسمبر سنة 1906 التي عقدت في لندن بين إنجلترا وفرنسا وإيطاليا أن تقوم السلطات البريطانية بإنشاء الخط الحديدي، وأنه إذا أريد وصل أريتريا بالصومال الإيطالي بسكة حديدية، فإن إيطاليا هي التي تقوم بإنشاء هذا الخط. وتقرر في المعاهدة تعيين مندوب بريطاني وثان إيطالي وثالث حبشي في مجلس إدارة الشركة الفرنسية، ومدير فرنسي لمجلس إدارة أية شركة إيطالية أو إنجليزية تنشأ فيما بعد، كما ضمنت المساواة التجارية العامة للدول جميعا سواء في ميناء جيبوتي أم على الخط الحديدي الفرنسي الذي تم. (18) الصعوبات التي ستلقاها إيطاليا
نامعلوم صفحہ
الطرق في الحبشة كثيرة الانعراج والانخفاض والارتفاع والوديان العميقة؛ مما يجعل المسافر قد يفكر في نتيجة الهجوم الإيطالي، والطريق إلى أديس أبابا لا يعد شيئا لصعوبة سلوكه أمام الجبهة الشمالية الإثيوبية، خصوصا عند هطول الأمطار الغزيرة التي تحجز طرق السيارات لمدة يومين أو ثلاثة من شدة تراكم الأوحال، وهكذا قد يتراءى للمسافر أنه من الصعب أن تتغلب إيطاليا على الحبشة؛ نظرا لأسباب عديدة، أهمها: (1)
عدم ملائمة الطقس الإثيوبي للإيطالي. (2)
وجود كثير من نبات الأحراش غير المعروفة للأجنبي. (3)
وجود كثير من الأراضي الصخرية القاحلة الحارة. (4)
كثرة المنخفضات والمرتفعات والوديان. (5)
قلة الأمواه «المياه». (6)
قلة طرق المواصلات.
ففي الحالة الأولى: يمرض العسكري ويصبح غير صالح للعمل في ميدان القتال، وقد بدأت بوادر عدم ملائمة الطقس للطليان تظهر بموت بعض مئات ومرض بعض آلاف الذين أودعوا بالمستشفيات أو الذين عادوا إلى الوطن.
وفي الحالة الثانية: لو تجرأ الجيش الإيطالي وتقدم، فمن الصعب أن يجد منفذا، فضلا عن ذلك أن تلك الغابات تسهل للإثيوبيين عملية «الكاموفلاج»، فلا يلبثون أن ينقضوا على أعدائهم.
وفي الحالة الثالثة: يظن بعضهم أن الجيش الإيطالي لا يخاطر بنفسه في مركز حرج مثل هذا يقضي على أبنائه حرا.
نامعلوم صفحہ
وفي الحالة الرابعة: يصعب على البيادة السير تحت حماية الطوبجية، كما أنه يصعب على هذه ضبط المسافات وإصابة مواقع العدو؛ لأنها ليست سهلا منبسطا يسهل فيه استعمال المدافع، كما أنه يصعب أيضا سير الدبابات؛ لأن التلال ذات الارتفاع الشاهق يقدر ميله من 60 في المائة إلى 80 في المائة، وبذلك لا ترجى أية فائدة من المدفعية أو الدبابات فهي لا تقدم ولا تؤخر، وهناك عامل مهم وهو أن الإيطالي لا يمكنه مجاراة الإثيوبي في تسلق التلال والجبال والنزول منها، وخذ مثلا من الأعرابي المصري الذي يتسلق الهرم وينزل منه في ثماني دقائق، وانظر إلى الأجنبي الذي يحتاج لمدة ساعة أو أكثر لهذه العملية.
وفي الحالة الخامسة: لا يمكن لأي جيش أن يسير بعساكر ظمآنين، انظر إلى ما يصيب الجندي الآن في مدينة مصوع أو أسمرة وهو في حالة سلام وينام على سرير وتحت سقف؛ لترى أن المياه لا تكفيه لسد كل احتياجاته من غسيل جسم وملابس وشرب، وتصور حالته عند الزحف وتركه المدينة حيث يسير في أجواء وأراض ذات تيبوغرافية مختلفة بعيدا عن الراحة، ويكون فراشه الخنادق وغطاؤه السماء ووساده بندقيته، وربما لا يتسنى له الحصول على نصف لتر!
وفي الحالة السادسة: قد تتوقف سيارات اللوري - أقصد الحملة - وهي التي تحمل المؤن والذخائر وأدوات التلغراف والتلفون التي لا يمكن للجيش الإيطالي أن يتقدم خطوة بدونها، هذه حالة المناطق التي تقدم إيطاليا على المغامرة فيها، على أن هناك كثيرا من المناطق المعتدلة الصحية الصالحة للعمليات العسكرية، ولكني أقصد بما ذكرت وصف أعظم بلاد إثيوبيا، ومنها المناطق المتاخمة لحدود الصومال الإيطالي والإثيوبي، والتي لا بد لإيطاليا من الهجوم من أحد نواحيها. وعلى ذلك فلا يمكننا أن نبني ونقيس ما هو منتظر من النتائج. (19) العلم الحبشي
أنشأه منليك، وهو كثير النقوش، في وسطه أسد يهوذا وفي قبضته الصولجان وعلى رأسه تاج الملك.
وهناك أعلام محلية لملوك الحبشة ورءوسها. (20) أديس أبابا
أنشأها الإمبراطور منليك سنة 1896 على سفح جبال أونتوتو، وترتفع عن سطح البحر بمقدار 2500 متر تقريبا، ومعنى «أديس أبابا» «الزهرة الجديدة»، وسقوف منازلها من الزنك، وتحيط بها أشجار اللبخ والكافور، وترويها فروع من نهر هواش، ومساحتها كبيرة، وقد خططت تخطيطا عصريا، وفي وسطها القصر الملكي «الجبي»، وعدد سكانها حوالي مائة ألف نسمة بينهم أربعة آلاف أوروبي، عدا المهاجرين من البلاد المجاورة واليمن، وقد اندمجوا في السكان الأصليين.
وقد أنشأ الإمبراطور الحالي برلمانا للحبشة. (21) النقود الحبشية والبنك الحبشي
أساس العملة الحبشية هي «التالير» وهو الريال النمسوي المضروب باسم ماري تريزي، ووزنه 28 جراما وقيمته عشرة قروش مصرية تقريبا، وللحبشة عملة اسمها الريال الإثيوبي وعليه صورة منليك الثاني، ولكنه غير متداول ويشبه في شكله الريال النمسوي، وأجزاء الريال هي نصف الريال وربعه والقرش، على أن أكثر الأهالي يتعاملون بالمبادلة بين السلع.
وفي سنة 1905 أصدر النجاشي أمرا ملكيا بإنشاء بنك إثيوبيا، وجعل من اختصاصه حق سك النقود وإصدار أوراق البنكنوت والقيام بأعمال البنوك على اختلاف أنواعها، وهذا البنك يعاني اضطرابا بسبب الأزمة الحالية. (22) المستر وليم فرانك ريكيت وامتيازه
حصل مستر ريكيت من إمبراطور الحبشة في أغسطس سنة 1935 على امتياز الزيت في نحو نصف البلاد الحبشية، وقد أثار هذا الامتياز ضجة، وقيل إنه مندوب عن شركة إنجليزية أمريكية. وقد تخلت شركة استاندارد فاكوم الأمريكية عن الامتياز بتأثير الحكومة الأمريكية، وأعلنت الحكومة البريطانية بأنه لا علاقة لها بهذا الامتياز، الذي وضع صيغته سعادة توفيق دوس باشا، ومن شروطه أن يشترك في الشركة ومجلس إدارتها إثيوبيون وأمريكيون، وفي العمل عمال مصريون، ويقال إن قيمة الامتياز بين 15 و20 مليونا من الجنيهات، وإن الإمبراطور قبض مبلغا مقدما، وإن شركات أخرى نالت امتيازات.
نامعلوم صفحہ
ولكن مستر ريكيت يقول بأن الامتياز باق وسيستغل وأن رأس المال سيوجد، وقد وصل إلى السويس مساء 9 سبتمبر سنة 1935، وقد سافر إلى بودابست وجنيف ولندن وهو صديق لسعادة توفيق دوس باشا الذي أقحم اسمه في هذا المشروع وفي هذه الضجة، ودوس باشا هو الذي أوصى إمبراطور الحبشة لكي يعطي الامتياز لمستر ريكيت.
ومستر ريكيت في الثانية والأربعين من عمره، وقيل إنه من أصل سوري، وهو معروف في مصر وفي فنادقها كشبرد، وكان جنديا متطوعا في الجيش البريطاني، ثم موظفا في شركة بترول ونجح في أخذ امتياز بترول الموصل ونزل عنه للشركة البريطانية، وهو كثير الصمت والعمل. (23) بين مصر والحبشة في عهد سعيد باشا
في أثناء حكم سعيد باشا أغارت الحبشة على بعض بلاد السودان، وزحفت جيوش نجاشي الحبشة وملك ملوكها تيودوروس، وكان في عزم سعيد باشا إعداد جيش مصري كبير للرد على عدوان الحبشة.
على أن سعيد باشا رأى أن يحل الخلاف بطريقة ودية، فاستعان بصديق حميم للنجاشي وهو المطران كيرلس المرشح بابا الكرازة المرقسية، فأرسله سعيد على رياسة وفد في باخرة، ووصل كيرلس إلى مجدلة التي كانت عاصمة للحبشة يومئذ، وتقدم النجاشي تيودوروس وقبل يد المطران كيرلس وقبله المطران في جبينه، وقد رغب تيودوروس أن «يمسحه» المطران ملكا على ملوك الحبشة، فنفذ الرغبة وأقيمت حفلة ودقت النواقيس، ومسح كيرلس تيودوروس ملكا على ملوك إثيوبيا.
وبعد ذلك فاوض كيرلس الإمبراطور في إعادة الأراضي التي اغتصبها من مصر، فقبل الإمبراطور وانتهى النزاع.
الحبشة وزعامة مصر الدينية عليها
كثرة سكان الحبشة أو ثلثاهم من المسيحيين الأرثوذكس الذين يدينون بالولاء والطاعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، ولهذه الكنيسة مندوب في الحبشة هو القمص سيداروس الأنطوني من بلدة النغاميش بمركز البلينا، وقد رسمه غبطة الأنبا يؤنس مطرانا باسم الأنبا كيرلس وعينه مطرانا للحبشة سنة 1929، ومن اختصاص المطران أنه لا يجوز لغيره تتويج إمبراطور الحبشة، وبعد مسحه تجوز مبايعته والمناداة به ملكا على ملوك الحبشة، ومن واجبات المطران أنه في حالة الحرب يخرج في مقدمة الجيش، يبارك الجنود قبل الهجوم ويصلي من أجلهم في أثناء حربهم.
بين الحبشة والسودان
بعد استعادة الخرطوم صعدت الجنود المصرية في النيل الأزرق إلى «فامكا» ومنها إلى «القلابات»، والتقت بجنود حبشية كان الرأس ما كونن قد أرسلها إلى بني شنغول لإخضاع شيخها.
ولكن لم يحصل تصادم بين الجنود المصرية والحبشية.
نامعلوم صفحہ
وقد عقدت بين إنجلترا والحبشة في 15 مايو سنة 1902 معاهدة حددت بها التخوم بين الحبشة والسودان ، وتعهد منليك بأن لا يقوم بأي عمل يترتب عليه حجز ماء بحيرة تانا أو النيل الأزرق أو نهر السوباط أو منع وصول الماء إلى النيل، ووافق على إعطاء امتياز بإنشاء سكة حديدية بريطانية تصل بلاد السودان بإقليم أوغندا مجتازة بلاد الحبشة إذا ما دعت الضرورة ذلك.
الأزهر والحبشة
ندب الأزهر بعثة من علمائه إلى الحبشة، وهما صاحبا الفضيلة الشيخان محمود النشوي ويوسف علي يوسف، وقد وصفا مهمتهما كما يلي:
لما كان الجامع الأزهر الشريف مبعث الهداية الإسلامية ومشرق نورها في جميع أنحاء الدنيا، اتجه إليه المسلمون من جميع الأقطار يطلبون منه في إلحاح أن يبعث إليهم من صفوة خريجيه من يرشدهم ويفقههم في أمور دينهم، وينشر بينهم الثقافة الإسلامية واللغة العربية، وكان من بين البلدان التي تقدمت إليه بهذا المطلب: جنوب أفريقيا وأمريكا واليابان وبلاد الحبشة، وقد سارعت مشيخة الأزهر الجليلة إلى دعوة خريجي قسم التخصص واختبرتهم اختبارا عاما بعد أن ألفت لجنة عليا لهذا الغرض، وكان من حسن حظنا أن ندبتنا مشيخة الأزهر للذهاب إلى بلاد الحبشة لنشر الثقافة الإسلامية فيها.
وقد سافرنا من بورسعيد في يوم 31 يناير سنة 1935، وقد وصلنا إلى أديس أبابا عاصمة إثيوبيا يوم 6 فبراير، وكانت رحلتنا إليها جميلة وسارة، وقد فرح المسلمون بقدومنا وأقبلوا علينا مرحبين مهنئين شاكرين لمصر وللجامع الأزهر فضله عليهم وتلبيته طلبهم، وقد وجدنا في العرب ومسلمي الحبشة أهلا بأهل وإخوانا بإخوان، ولا يفوتنا شكر رجال القنصلية المصرية وفي مقدمتهم حضرة القنصل الكريم؛ فهم ما فتئوا يساعدوننا بمعلوماتهم واختباراتهم.
وبعد أسبوع من وصولنا، أعني بعد أن خفت الزيارات وقلت وفود المرحبين بدأنا عملنا في مدرسة نادي الاتفاق الإسلامي، واتخذنا من المسجد ميدانا لإلقاء العظات التي رأينا أنها تنفع مسلمي هذه البلاد.
أما المدرسة فإن العمل فيها شاق إلى أقصى حد؛ نظرا لاختلاف أسنان الطلبة فيها وتباين بيئاتهم وتعدد لغاتهم؛ ففيها أحباش وعرب يمنيون وحضرميون وهنود وأتراك وصومال، والطلبة الأحباش أنفسهم من مقاطعات مختلفة مما يجعل الدرس الواحد يعادل خمسة دروس في مصر على الأقل، ولكنا في الوقت نفسه نجد سرورا في العمل بها للتقدم الحسن الذي نشاهده في طلبتها، وقد أصبح سهلا عليهم وخصوصا طلبة الفرق المتقدمة أن يفهموا العربية الصحيحة.
ونحن نقوم الآن بتدريس أهم المواد وأشقها؛ كالتوحيد وفقه الشافعي والتاريخ والأخلاق الدينية وتحفيظ القرآن الكريم بطريقة تجعلهم يدركون المعنى الإجمالي لكتاب الله، وقد وجدنا في استعداد أبناء المدرسة الفطري وذكائهم الطبيعي خير معوان لنا على أن نتقدم بالأولاد في هذه المدة الوجيزة التي قضيناها بينهم في المقررات الموضوعة رغم أنها في حاجة إلى تهذيب؛ فهي بوجه عام فوق مستوى الأولاد، ونرجو في المستقبل أن نوفق لإقناع القائمين بإدارة المدرسة بذلك حتى نعمل على تعديلها بما يناسب مدارك الطلبة وتحقيق الأمل المنشود في هؤلاء التلاميذ الذين لا شك في أنهم ستتغير بهم حالة مسلمي الحبشة متى صاروا رجالا.
وأما الوعظ فإننا نرى أن الحبشي مفطور على حب الدين وإجلال رجاله، والعقل الحبشي من أخصب العقول لتلقي العظات والانتفاع بها، فهم قوم قلوبهم طاهرة نقية، فحينما يلقي أحدنا العظة يترامى الناس - وخصوصا الأحباش - على يديه وكتفيه بل رجليه لثما وتقبيلا، ومما يدل على أن احترام الأحباش لرجال الدين عام أن المسيحيين منهم حينما يقابلوننا يحيوننا بالانحناء الشديد وبرفع قبعاتهم إجلالا، وتلك هي التحية الحبشية ونحن نرجو أن نصل بالمسلمين منهم إلى الاكتفاء بالتحايا التي يجيزها الإسلام فحسب.
وقد تخيرنا من موضوعات الوعظ التعليم والحث عليه، ومما لاحظناه أنه يندر أن تجد مسلما لا يعلق التمائم والأحجبة المتعددة الكثيرة على صدره، وهذا يدل على أنهم يعتقدون في الدجالين والمشعوذين ويقدمون إليهم نفسهم ونفيسهم على فقرهم وحاجتهم، وكذلك وعظناهم في البغاء وضرورة الابتعاد عنه وخاصة لما يترتب عليه من الأمراض الخبيثة المنتشرة فعلا بينهم والتي لا يهتمون بعلاجها، كما نهيناهم عن كثير مما يفعلونه في أعراسهم ومآتمهم والإسلام لا يجيزه، وإنه ليسرنا أن نجد نصائحنا وعظاتنا تنفذ إلى قلوبهم ويعملون بها.
نامعلوم صفحہ
وإنا لجادون الآن في دراسة عادات البلاد وأحوالها الاجتماعية دراسة جدية، مع النظر فيها من الوجهة الإسلامية حتى تكون عظاتنا مبنية على أساس متين، ولا يفوتنا أن نذكر أن من طرق الوعظ والتعليم في هذه البلاد افتتاح المنازل وإلقاء دروس بها وإفتاء من يحضر للاستفتاء بها، ونحن مجاراة للعرف نستقبل الناس يوميا بعد أداء أعمالنا الأخرى.
وقد عرض علينا كثير من الفتاوى فأجبنا بما كان موضع الثقة والقبول، ومما تحسن الإشارة إليه أن الفتيا والقضاء في هذه البلاد على مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه، وهو المذهب الذي يعتنقه معظم مسلمي الحبشة، والذي يقوم بالقضاء بينهم قاض واحد «بأديس أبابا»، وحكمه نافذ إلا إذا استؤنف أمام هيئة أخرى من العلماء، وكثيرا ما قمنا نحن بمهمة النظر في القضايا المستأنفة وهو ما يستلزم منا مراجعة وبحثا طويلين.
ومما استفتينا فيه أخيرا أن شابا تزوج بفتاة بكر، وفي اليوم التالي لزواجه بها طلب استرداد المهر مدعيا أنه وجدها ثيبا؛ فرفع والد الفتاة دعوى أمام القاضي طالبا حد المتهم حد القذف ... وأشباه ذلك مما يعرض علينا كثير.
وفي البلاد هيئات متعددة، منها: نادي الاتفاق الإسلامي، والجمعية الوطنية، وجمعية التعاون. وصلتنا بنادي الاتفاق الإسلامي وثيقة بحكم عملنا الرسمي، وهو أهم هذه الهيئات وأغناها وأنفعها وأوسعها نفوذا، ونحن نرجو أن توجد في المستقبل القريب في هذه البلاد شبيبة حبشية مسلمة تقوم على أكتافها نهضة تتقدم بها هذه الأمة النبيلة. ا.ه. (24) تجارة الرقيق في الحبشة
مما يأخذه السنيور موسوليني على الحبشة أنها لا تزال تبيح الرقيق، وقد وضعت اللادي سيمون عقيلة السير جون سيمون الوزير الإنجليزي المشهور كتابا عن «تجارة الرقيق في العالم»
2
جاء فيه:
إذ كانت لجنة جامعة الأمم ماضية في بحثها، تلقى السراريك درموند سكرتير الجامعة مذكرة في الرقيق من الحكومة الفرنسوية تكشف فيها عن نواح مختلفة من حالة الرقيق والنخاسة في الحبشة.
وقد ختمت الحكومة الفرنسوية مذكرتها بقولها: في 9 نوفمبر سنة 1918 صدر مرسوم إمبراطوري يوجه النظر خاصة إلى مراسيم منليك عن منع بيع الأرقاء وشرائهم، وفي يوليو سنة 1922 قبض على نخاسين متلبسين بالنخاسة وشنقا في أديس أبابا، ولكن ما زال بعض كبار الرؤساء يشتركون في غزوات الرقيق لكي يخضدوا الفتن على ما يدعون أو يعاقبوا من يرفض دفع الضرائب، وما زال غيرهم في أديس أبابا نفسها يقبلون هدايا من الأرقاء، وما زال مقدمو الأحباش أنفسهم يرفضون أن يعتقوا مستر فيهم في خلال حياتهم، ضاربين بذلك المثل لغيرهم. ما زال كل ذلك قائما، وقد يخف هذا الويل ولكنه لن يزول. •••
ومن المعلوم أن في حيازة الحكومة الإيطالية معلومات كثيرة عن أحوال النخاسة في بلاد الحبشة وما يجاورها، وقد ورد على جامعة الأمم تقارير بأن القناصل الإيطاليين يبذلون الجهد لعتق الأرقاء الذين يجتازون الأراضي الداخلة في نطاق نفوذ الحكومة الإيطالية، وفي خلال نظر الجامعة في موضوع الرقيق وجهت الحكومة الإيطالية نظر السراريك درموند إلى غزوة رقيق وقعت واتصل حبرها برجال الحكومة الإيطالية، وأن هذه الغزوة مثال لغيرها وتدل على القساوة والعنف في معاملة المسترقين في البيع والشراء. وقد بعثت الحكومة الإيطالية إلى سكرتير الجامعة برسالة وصفت فيها جمعية مؤلفة من 150 من الأرقاء كانوا يساقون كالحيوانات إلى المرافئ على الساحل، وإذ كانوا في طريقهم هاجمهم فريق من النخاسين المعادين لأصحابهم، فدارت معركة دموية مثل فيها نحو ثلاثين من هؤلاء المساكين وهم عاجزون كل العجز عن الدفاع عن أنفسهم.
نامعلوم صفحہ