قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليهما: إن من عدل الله سبحانه ورحمته وحمته خلق الحيات والعقارب ، لأن فيها من التذكرة والتخويف لما هو أشد منها من عذاب جنهم المقيم ما جعل فيه حذرا وزجرا عن الاقتحام على المعاصي، ولو لا ذلك أيضا ما درى الناس فضل العافية على البلاء، ولا السلامة على الشقاء، لا عرفوا الفرق بين النعمة والنقمة، وفي ألم ذلك السم وشدة حريقه من التحذير للعباد ما يورث المنفعة والتوبة والكف عن الإقدام على ما يسخط الله عز وجل: { وإنما هو حريق ساعة ثم يموت أو يسلم } . فكيف بالعذاب الدائم الذي أعد الله عز وجل لمن عاداه وعند من أمره، فالمصاب بالسم يعتبر والناظر إليه يعتبر كل ذلك حكمة ورحمة، فافهم ذلك إن شاء الله.
وقولك: لم خلق الله الحية والعقارب وفيها من الأذى ما قد سميت والله عز وجل يخلق ما يشاء، وليس لأحد أن يقول لم خلق الله ما يضر، والله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وخلقه كله حكمة وفي خلقه دلائل عبرة، نسأل الله لنا ولك الهداية بمنه ورحمته.
46- وسألت عن قوله تعالى: { له قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا
يبصرون بها ولهم أذن لا يسمعون بها } . الآية؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليهما: الجواب في ذلك إنهم كانوا عميا عن الخف صما عن أسماعه من يغر عمى ولا صمم كان بهم، والعرب تكلم بهذا في قولها من ذلك: إن الرجل إذا كلم رجلا فلم يرفع لكلامه رأسا قال: أنت أصم عن قولي، وأعم عما لا بد منك.
قال الشاعر في نحو ذلك:
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي الستر
وأصم عما كان بينهما ... وسمع ي وليس يحويه وقر
وفي هذا البيت الآخر إضمار أيضا فافهم.
صفحہ 26